10 ابريل 2019
"المؤتمر الشعبي" السوداني.. العبرة بالخواتيم
تدور عجلة الزمان مرة أخرى، ممهِّددة عودة حزب المؤتمر الشعبي إلى سدة الجهاز التنفيذي في الدولة السودانية، بعد غياب وخصام ومعارضة دامت عقدين.
صحيحٌ أنّ العبرة بالخواتيم. هذه العبارة كان يردّدها علي الحاج نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي السوداني، قبل أن يتسنّم زعامة الحزب الأسبوع الماضي، خلفاً للأمين العام المكلّف إبراهيم السنوسي، بعد رحيل زعيمه حسن الترابي. تتحقّق العبارة أخيراً ختاماً يتجلى في قسمة السلطة والمشاركة في الحكومة، أو غيرها من المصطلحات التي صكّتها حكومة الإنقاذ.
وعلي الحاج الذي يُعتبر من قيادات الحركة الإسلامية الشجاعة، تم ترشيحه في سنيّ نظام جبهة الإنقاذ الأولى، ليشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، عقب وفاة الزبير محمد صالح النائب الأسبق لرئيس الجمهورية، لكن الرئيس عمر البشير اختار علي عثمان محمد طه نائباً له، وتم تعيين علي الحاج نائباً للأمين العام للمؤتمر الوطني، وظل في المنصب حتي حدوث المفاصلة الشهيرة عام 1999/2000، لينحاز الي حزب الترابي، ويتم تعيينه نائباً له. أحدثت المفاصلة الانشقاق الأكبر في الحركة الإسلامية وأبعدت الترابي، ليظل سؤال الأمس من دون إجابة، وهو كيف تستعيد الحركة الإسلامية مشروعيتها المفقودة، والتي تعجز عن إنتاجها الأسماء المعبّرة عن النقص أكثر من تعبيرها عن الكمال، وهي "الكيان الخاص"، الاسم الذي لازم الحركة حتى العام 2005، ليعود الاسم القديم "الحركة الإسلامية "، ولكن من دون مسمى.
كان موقف على الحاج مثل حزبه هو التمسك بضرورة إسقاط النظام عبر ثورة شعبية،
واشترط للدخول في حوار مع حزب المؤتمر الوطني، والرجوع إلى تحالف المعارضة، تسليم الأخير السلطة وإعلانه تشكيل حكومة انتقالية. وتطور بعدها إلى القبول بالحوار، مع عدم "الاندغام" في الحكومة، حسب تعبيره، ولكن تصريحاته، قبل اختياره أميناً عاماً لحزبه، حول مشاركة الحزب في الحكومة، أحدثت ربكة قوية داخل المؤتمر الشعبي والحكومة على السواء، بسبب أنّها غير منسجمة مع رؤية الحزب، وتخالف مواقفه المعلنة، مما يُفسّر خط رجعة غير معلن، مصدره يمكن أن يكون علي الحاج نفسه أو حزبه.
وافق حزب المؤتمر الشعبي على الحوار مع الحكومة، ومهر موافقته تلك بأن تكون من دون شروط مسبقة، ومن دون استثناء لأحد، وذلك توسعة لمدخل الحوار الذي توقع أن يفضي إلى تحول ديمقراطي، وانتخابات نزيهة، وفق اتفاق والتزام سياسي، يتواضع عليه الجميع، بمن فيهم حملة السلاح. وصف علي الحاج التقارب بين حزب المؤتمر الشعبي والحكومة بأنّه تقارب بين الإسلاميين في السودان، نتيجة تطور الأوضاع في مصر، بينما تؤيد كل التحرّكات رغبة الحزب في أن يصبح صنواً للحزب الحاكم، بدلاً عن وصف العلاقة بأنّها تقارب بين حكومة وحزب معارض.
ووسط اعتراضات بعض قادته، حسم حزب المؤتمر الشعبي قرار مشاركة الحزب في حكومة الوفاق الوطني المرتقبة، بحصةٍ قد تبلغ ثلث المقاعد التنفيذية. والاعتراضات على التفاصيل أكثر منها على المبادئ، حيث صرّح الأمين السياسي للحزب إنّ حزبه الكبير يستحق منصب رئيس الوزراء، وليس عدة حقائب وزارية اتحادية وولائية. وهنا، يصبح لا معنى لتصريح الحاج إنّ برنامج "المؤتمر الشعبي" أكبر من المشاركة في الحكومة، كما أنّه ليس هناك قراءة بديلة لما حاول نفيه بأنّهم في الحزب ليسوا طلاب سلطة وكراسي. كما لا ينفع نفي وجود صفقةٍ سياسيةٍ بين "المؤتمر الشعبي" و"المؤتمر الوطني"، تم بموجبها منحه حصة أكبر في الحكومة، مع توقع تعيين إبراهيم السنوسي في منصب تنفيذي، هو منصب مساعد رئيس الجمهورية. ولا مكان آخر لإعراب تصريحه الداعي إلى السمو فوق الخلافات والمرارات، وعدم العودة إلى الوراء، وتغليب المصلحة العليا للوطن على المصالح الحزبية الضيقة، بالانطلاق نحو المستقبل، وبناء دولة السودان الموحد بالتكامل وإعلاء قيم الشورى والديمقراطية.
ما زالت الحكومة تتحسّس قاعدة الحركة الإسلامية المفجوعة في قياداتها التي آثرت الدخول إلى السلطة في مقابل الخروج على مبادئ الحركة الإسلامية. وحصيلة ذلك الخروج غياب الشورى
وضعف المؤسسية على نطاق الحركة، وعلى نطاق الدولة، الفشل الذريع في الحفاظ على كيانها من التمزّق السياسي والاقتصادي، فالحركة الإسلامية التي يتم إعادة إنتاجها الآن قرّبت وباعدت بين بنيها باسم المصلحة العامة، وبشكلٍ لا يقل صرامةً عن الأنماط الأخرى الأكثر استبداداً.
وبهذا التآلف، قدّم حزب المؤتمر الشعبي نفسه عبر فكرة حسن الترابي (المنظومة الخالفة المتجددة)، والتي طرحها في مداولات الحوار الوطني، وتقوم على تذويب التيارات الإسلامية والأخرى ذات الخلفيات الإسلامية بطوائفها المختلفة، كالسلفيين والصوفية والأحزاب الطائفية، وبما في ذلك حزب المؤتمر الوطني الحاكم، في تحالف عريض، في شكل حزب واسع، وفي إطار شراكة سياسية جديدة تضمهم جميعاً.
الحقيقة أنّ رجوع "المؤتمر الشعبي" الآن إلى الائتلاف، وإشارته إلى الوحدة مع حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، حتى لو نجح في تحقيق منظومة الذوبان المعنية، فإنّه لن يعيد الحركة الإسلامية، فكراً تجديدياً، وإنّما يُنظر إلى ذلك كله، باعتباره مبرّراً لانقلاب يونيو/ حزيران 1989، وقبوله جزءاً من تاريخ السودان الذي تواضع على الاضطرابات والانقلابات.
صحيحٌ أنّ العبرة بالخواتيم. هذه العبارة كان يردّدها علي الحاج نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي السوداني، قبل أن يتسنّم زعامة الحزب الأسبوع الماضي، خلفاً للأمين العام المكلّف إبراهيم السنوسي، بعد رحيل زعيمه حسن الترابي. تتحقّق العبارة أخيراً ختاماً يتجلى في قسمة السلطة والمشاركة في الحكومة، أو غيرها من المصطلحات التي صكّتها حكومة الإنقاذ.
وعلي الحاج الذي يُعتبر من قيادات الحركة الإسلامية الشجاعة، تم ترشيحه في سنيّ نظام جبهة الإنقاذ الأولى، ليشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، عقب وفاة الزبير محمد صالح النائب الأسبق لرئيس الجمهورية، لكن الرئيس عمر البشير اختار علي عثمان محمد طه نائباً له، وتم تعيين علي الحاج نائباً للأمين العام للمؤتمر الوطني، وظل في المنصب حتي حدوث المفاصلة الشهيرة عام 1999/2000، لينحاز الي حزب الترابي، ويتم تعيينه نائباً له. أحدثت المفاصلة الانشقاق الأكبر في الحركة الإسلامية وأبعدت الترابي، ليظل سؤال الأمس من دون إجابة، وهو كيف تستعيد الحركة الإسلامية مشروعيتها المفقودة، والتي تعجز عن إنتاجها الأسماء المعبّرة عن النقص أكثر من تعبيرها عن الكمال، وهي "الكيان الخاص"، الاسم الذي لازم الحركة حتى العام 2005، ليعود الاسم القديم "الحركة الإسلامية "، ولكن من دون مسمى.
كان موقف على الحاج مثل حزبه هو التمسك بضرورة إسقاط النظام عبر ثورة شعبية،
وافق حزب المؤتمر الشعبي على الحوار مع الحكومة، ومهر موافقته تلك بأن تكون من دون شروط مسبقة، ومن دون استثناء لأحد، وذلك توسعة لمدخل الحوار الذي توقع أن يفضي إلى تحول ديمقراطي، وانتخابات نزيهة، وفق اتفاق والتزام سياسي، يتواضع عليه الجميع، بمن فيهم حملة السلاح. وصف علي الحاج التقارب بين حزب المؤتمر الشعبي والحكومة بأنّه تقارب بين الإسلاميين في السودان، نتيجة تطور الأوضاع في مصر، بينما تؤيد كل التحرّكات رغبة الحزب في أن يصبح صنواً للحزب الحاكم، بدلاً عن وصف العلاقة بأنّها تقارب بين حكومة وحزب معارض.
ووسط اعتراضات بعض قادته، حسم حزب المؤتمر الشعبي قرار مشاركة الحزب في حكومة الوفاق الوطني المرتقبة، بحصةٍ قد تبلغ ثلث المقاعد التنفيذية. والاعتراضات على التفاصيل أكثر منها على المبادئ، حيث صرّح الأمين السياسي للحزب إنّ حزبه الكبير يستحق منصب رئيس الوزراء، وليس عدة حقائب وزارية اتحادية وولائية. وهنا، يصبح لا معنى لتصريح الحاج إنّ برنامج "المؤتمر الشعبي" أكبر من المشاركة في الحكومة، كما أنّه ليس هناك قراءة بديلة لما حاول نفيه بأنّهم في الحزب ليسوا طلاب سلطة وكراسي. كما لا ينفع نفي وجود صفقةٍ سياسيةٍ بين "المؤتمر الشعبي" و"المؤتمر الوطني"، تم بموجبها منحه حصة أكبر في الحكومة، مع توقع تعيين إبراهيم السنوسي في منصب تنفيذي، هو منصب مساعد رئيس الجمهورية. ولا مكان آخر لإعراب تصريحه الداعي إلى السمو فوق الخلافات والمرارات، وعدم العودة إلى الوراء، وتغليب المصلحة العليا للوطن على المصالح الحزبية الضيقة، بالانطلاق نحو المستقبل، وبناء دولة السودان الموحد بالتكامل وإعلاء قيم الشورى والديمقراطية.
ما زالت الحكومة تتحسّس قاعدة الحركة الإسلامية المفجوعة في قياداتها التي آثرت الدخول إلى السلطة في مقابل الخروج على مبادئ الحركة الإسلامية. وحصيلة ذلك الخروج غياب الشورى
وبهذا التآلف، قدّم حزب المؤتمر الشعبي نفسه عبر فكرة حسن الترابي (المنظومة الخالفة المتجددة)، والتي طرحها في مداولات الحوار الوطني، وتقوم على تذويب التيارات الإسلامية والأخرى ذات الخلفيات الإسلامية بطوائفها المختلفة، كالسلفيين والصوفية والأحزاب الطائفية، وبما في ذلك حزب المؤتمر الوطني الحاكم، في تحالف عريض، في شكل حزب واسع، وفي إطار شراكة سياسية جديدة تضمهم جميعاً.
الحقيقة أنّ رجوع "المؤتمر الشعبي" الآن إلى الائتلاف، وإشارته إلى الوحدة مع حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، حتى لو نجح في تحقيق منظومة الذوبان المعنية، فإنّه لن يعيد الحركة الإسلامية، فكراً تجديدياً، وإنّما يُنظر إلى ذلك كله، باعتباره مبرّراً لانقلاب يونيو/ حزيران 1989، وقبوله جزءاً من تاريخ السودان الذي تواضع على الاضطرابات والانقلابات.