يُنظر لمدينة ديربورن في ولاية ميتشغن الأميركية على أنها "عاصمة العرب" في الولايات المتحدة، إذ إن أكثر من 30 في المائة من سكانها هم من أصول عربية.
وتزخر المدينة بالعديد من المؤسسات الاقتصادية والمراكز الدينية والثقافية العربية، ومن بينها المتحف الوطني العربي الأميركي، وهو المتحف الأول والوحيد الذي يروي حكاية المهاجرين العرب في أميركا.
ويحتفل المتحف هذا العام بمرور عشر سنوات على تأسيسه، فهو يعتبر اليوم واحدا من أهم معالم ديربورن، ومقصدا لنحو 80 ألف زائر سنويا. وهو ما يلفت إلى تضافر جهود أبناء الجالية العربية في أميركا، والذين آمنوا بضرورة إيجاد هذا الصرح الثقافي الذي يوثق تاريخهم ووجودهم في هذه البلاد.
وروى رئيس المركز العربي للخدمات الاقتصادية والاجتماعية، حسن جابر لـ"العربي الجديد" كيف برزت فكرة إنشاء المتحف: "للعرب الأميركيين مساهمات عميقة في بنية المجتمع الأميركي، كما أن لهم تاريخ هجرة غني، وفيه كثير من التضحيات والبناء لهذا المجتمع. ومن هنا فكرنا بإنشاء مؤسسة لجمع تاريخ ومساهمات العرب الأميركيين. وبدأت فكرة المتحف قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وكان العرب في تلك الفترة أيضا يتعرضون لتشويه الهوية. ولكن بعد الأحداث، أصبح لدينا قناعة تامة بضرورة إنشاء هذه المؤسسة التي تساهم في إعطاء صورة صحيحة عن العرب الأميركيين، وتضع مساهماتهم على خارطة الحضارة الأميركية".
ويحاول المتحف أن يلخص ويوثق ويحفظ تاريخ وحاضر عرب أميركا، وذلك بسرد قصتهم من لحظة قدومهم إلى الولايات المتحدة مرورا بطريقة حياتهم فيها ووصولا إلى البصمات التي تركوها في الحياة الأميركية. كل ذلك من خلال قصص نضال ونجاحات نسجتها الصور واللوحات والتسجيلات وغيرها من المواد القيمة التي تحويها صالات المتحف.
ويشعر زائر المتحف بدفء وضيافة الثقافة العربية حالما تطأ قدماه فناء الطابق الأرضي المزين ببلاط مزخرف تتوسطه نافورة مياه تعلوها قبة مرتفعة، في منظر يختصر جمال فن العمارة الإسلامية العريقة. هنا في هذا الطابق يستقبل المتحف زواره ليعطيهم لمحة عن تاريخ وحضارة العرب، والمجالات المختلفة لحياتهم كالموسيقى العربية، والهندسة المعمارية، والطب العربي، واللغة والديانات.
ويأخذ الزائر في الطابق الثاني جولة بين المعارض الدائمة للمتحف. أول هذه المعارض يتحدث عن كيفية "قدوم العرب إلى أميركا"، وتاريخ هجرتهم إليها، فيجد الزائر فيه إجابات على أسئلة ربما تدور في خاطره: من أين قدم عرب أميركا؟ لماذا أتوا؟ ما المناطق التي استقروا فيها؟ ما المهن التي امتهنوها؟ وما الجرائد التي أنتجوها؟ ما العمل الثقافي والفني الذي قاموا به؟ كما يسرد هذا المعرض عددا من قصص الكفاح والنجاح التي مر بها عرب أميركا.
وأما المعرض الثاني وعنوانه "حياة العرب في أميركا"، يروي كيف عاش العرب هنا، وكيف حافظوا على ثقافتهم وتعاطوا مع محيطهم. كما يذهب للحديث عن أكلاتهم واحتفالاتهم، وكيفية تربية أبنائهم. ويحوي المعرض تسجيلات صوتية وفيديوهات عن تجاربهم، بما في ذلك تجربة التمييز العنصري ضدهم بمختلف مراحل وجودهم.
ويدهش المعرض الثالث "أثر العرب في الحياة الأميركية" زائره بكم الإنجازات العظيمة للعرب الأميركين سواء في مجالات علم الفضاء أو الاقتصاد والسياسة وغيرها.
ولا يكتفي المتحف بإطلاع زائريه على كل ما يتعلق بحياة العرب في أميركا من خلال معارضه وحسب، وإنما يأخذهم في جولات في الأحياء العربية بمنطقة ديربورن حيث المطاعم العربية ومحلات الحلويات الشرقية، والمقاهي، ليكون المتحف بذلك جزءا من حياة الناس اليومية أيضا.
ويرى جابر أنه رغم وجود المتحف في ديربورن/ ميتشغن، إلا أنه "بمحتوياته وأهدافه يمثل تاريخ وحياة كافة العرب الأميركيين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، والذين بلا شك أثروا المشهد الاقتصادي والسياسي والثقافي في الحياة الأميركية". ويضيف أن للمتحف علاقة رئيسية بخمس مدن أميركية رئيسية، ما يعني تبادلا ثقافيا ومعرفيا كبيرا وعلى نطاق واسع.
ولا يقتصر المتحف على معارضه الدائمة والمتنقلة، وإنما يقام فيه أيضا عدد من النشاطات المجتمعية والفعاليات الثقافية والفنية من مسرح وشعر وموسيقى، الأمر الذي دفعه لتوسيع خططه ومشاريعه، إذ أعلن المتحف حديثا عن افتتاح فرع موازٍ للمنطقة الأساسية فيه، وهي حسب تعبير السيد جابر "ستكون مساحة إضافية متاحة لكل المبدعين لعرض إبداعاتهم، وملكا للجالية العربية للتعبير عن نفسها".
اقرأ أيضا:
هيوستن الأميركية تحتفي بالثقافة الفلسطينية
معرض لوثائق الهجرة العربيّة المبكرة إلى أميركا