"المداهمات الليلية" في حقبة المالكي... ذكريات يعجز العراقيون عن نسيانها

05 مايو 2019
تفتيش أمني بحثاً عن بقايا تنظيم "داعش" (العربي الجديد)
+ الخط -


أعادت عمليات التفتيش التي تجريها القوات العراقية في مدن شمال وغرب البلاد المحررة من تنظيم "داعش"، بحثاً عن مشتبه بهم وعناصر مرتبطين بالتنظيم الإرهابي، ذكريات مؤلمة للعراقيين ارتبطت بفترة حكم نوري المالكي التي امتدّت لدورتين برلمانيتين، وكانت تنفذ خلالها "مداهمات ليلية" واقتحامات للمنازل دون أوامر قضائية، حتى أنّ آلافا من ضحاياها ما زالوا مجهولي المصير حتى اليوم.

وبحسب مسؤول أمني، فإنّ "السجون ما زالت حتى اليوم تغصّ بمعتقلي حكومة المالكي، وأنّ لجاناً خاصة من القضاة تتابع ملفاتهم، وتحسمها تباعاً"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأوامر صدرت منذ فترة حكومة حيدر العبادي بتصفية ملفات المعتقلين، لكن كثرة أعدادهم حالت دون ذلك".


وأشار إلى أنّ "معظم المعتقلين لم يتم العثور على ملفاتهم، إذ كان يزج بهم في المعتقلات من دون أي تحقيق أو أي إجراءات، ثم يتم نسيانهم داخل تلك المعتقلات"، مبيناً أنه "لا توجد إحصائية رسمية بأعداد هؤلاء، لكنّ اللجان التحقيقية لا تزال تتلقى شهرياً ملفات العشرات منهم".

ولفت إلى أنّ "البلاغات التي تلقتها الأجهزة الأمنية من ذوي المعتقلين تفوق مئات المرّات أعداد الموجودين في المعتقلات، ما يعني أنّ أكثرهم تم تغييبهم أو تصفيتهم جسديا"، مشيرا إلى "إبلاغ معظم ذوي المفقودين بعدم وجود أبنائهم، بينما يتم التحقيق في ملفاتهم بغية العثور على معلومات عنهم".

وتابع "كانت حملات الدهم والاعتقال في تلك الحقبة ذات دوافع سياسية وطائفية، كما كان ورءاها سياسيون عراقيون"، مؤكداً أنّ الحكومة في ذلك الوقت سخّرت القوانين لأجنداتها.

وقال نائب عن تحالف القرار لـ"العربي الجديد": "أستطيع الجزم بأنّ أكثر من 95 بالمائة من عمليات الاعتقال التي نفذتها حكومة المالكي لم تكن إلّا لتصفية الخصوم، وفرض القوة، وإذلال مناطق بعينها وإثارة الرعب بدوافع طائفية وسياسية".

وأكد النائب الذي طلب عدم كشف اسمه، أنّ "المالكي استغل المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب ضد مناطق معينة، وكان يعتقل العشرات يومياً، حتى أنّ القوات الأمنية كانت لا تترك في المنزل إلّا الأطفال والنساء"، مشيراً إلى أنّ "تركة تلك الفترة ثقيلة جدا، وإذا ما تذكرناها نستشعر الفرق الكبير بين الحكومة الحالية والتي سبقتها".


وأوضح أنّ "الحكومة الحالية وحكومة العبادي لم تستغل القانون لصالحها، بل عملت على تصفية ملفات حقبة المالكي الثقيلة"، مشيراً إلى أنّ "القوات العراقية اليوم تنفذ عمليات دهم لكنّها قانونية، ولا تعتقل إلّا المطلوبين".

ويذكر العراقيون روايات كثيرة عن تلك الفترة المرعبة، والتي كان الرجال خلالها لا يستطيعون المبيت في منازلهم. أبو خالد، وهو أحد أهالي منطقة العامرية، غربي بغداد، قال لـ"العربي الجديد": "بعض المناطق في بغداد والمحافظات كانت تشهد عمليات دهم يومية ومنها منطقتنا، وكانت عناصر الأمن تقتحم البيوت اقتحاما مرعبا وتكبل الرجال وتعتقلهم بعد إهانتهم أمام عوائلهم".

وأضاف: "اضطررت أنا وابني الوحيد أن نتنقل يوميا بين بيوت أقاربنا في بغداد وخارجها، خوفا من الاعتقال، حتى اضطر ولدي لترك مدرسته"، مبينا أنه "بقينا على هذه الحال بما فيها من معاناة حتى تولّى العبادي الحكم، عندها عاد معظم الرجال إلى منازلهم، وزال عنّا شبح الخوف".

وقال: "فقدت أخي وابنه منذ عام 2008 وحتى اليوم، تم اعتقاله من قبل قوة أمنية من منزله في منطقتنا، ولا نعرف شيئا عنه"، مؤكدا أن "هذا حال مئات العوائل التي فقدت أبناءها".

وحال النساء في تلك الفترة لم يكن أفضل من حال الرجال، وأكدت أم عبد الله، لـ"العربي الجديد"، أنّ "النساء كنّ ينمن بحجاب كامل بسبب عمليات الدهم، إذ إن القوات الأمنية كانت تكسر الأقفال وتقتحم المنازل من دون أي احترام لنساء أو أطفال. انتهكت حرمة البيوت"، مثنية على حكومتي العبادي وعبد المهدي، ومؤكدة أنّ "الحال تغير، واليوم أصبحنا نشعر بالأمان عندما نرى رجال الأمن، بعد أنّ كانت رؤيتهم تثير الرعب والخوف لنا".

ويواصل القضاء العراقي عمله على إطلاق سراح المعتقلين، وأعلنت دائرة الإصلاح العراقية التابعة لوزارة العدل، في بيان صحافي، يوم الخميس الماضي، أنها أطلقت خلال الشهر الماضي سراح 678 نزيلاً من سجون الوزارة في بغداد والمحافظات، بينهم 64 مشمولاً بالعفو العام، و80 من النساء، و598 من الرجال، بعد انتهاء فترات محكومياتهم".

وأكدت أنّ "دائرة الإصلاح قطعت أشواطاً كبيرة في عمليات إطلاق السراح مع تطبيقها نظام الأرشفة الإلكترونية، والذي يتيح إمكانية تحديد النزلاء المنتهية أحكامهم القضائية ويساهم بحسم ملفاتهم وفقاً للمدة القانونية المحددة لإطلاق السراح".

يشار إلى أنّ القوات الأمنية تنفذ حاليا عمليات دهم في المناطق المحرّرة، لكنّ تلك العمليات لم تتعدّ حدود القانون، وأنّ الأهالي يتعاونون مع أجهزة الأمن بالإبلاغ والقبض على المطلوبين.