أكد المشاركون في ندوة "من السلاح إلى السلام"، التي اختتمت أعمالها اليوم الأحد، في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، أن عملية التحول من عمل مسلح إلى نشاط غير مسلح تجرى على ثلاثة مستويات: أيديولوجي/ فكري، وسلوكي، وتنظيمي، ولفتوا إلى أن ثمة خليطًا من العوامل والمتغيّرات يؤدي إلى بدء عمليات التحول، مثل وجود قيادة كاريزماتية داخل التنظيم المركزي تؤمن بالتحوّل نحو السلمية، وحصول جمود مؤلم بين الأطراف المتقاتلة، وحدوث تفاعلات مع "الآخر" غير الشبيه ولا القريب فكريًا.
وشهدت الجلسة الختامية، عصر اليوم الأحد، حوارًا مفتوحًا أداره الباحث شفيق الغبرا، بحضور قيادات لتنظيمات مسلحة سابقة عاشت تجارب تحول إلى الممارسة السياسية السلمية، وحاولت الجلسة مراعاة التنوع من حيث محتوى التجارب وأماكنها. وكانت البداية مع روني كاسريلز، أحد مؤسسي الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي (رمح الأمة) عام 1961 وقائد استخباراته فيما بعد، والذي عنون تجربته بـ"الجناح المسلح للمؤتمر القومي الأفريقي والتحول نحو النشاط السياسي الدستوري السلمي".
وتحدث كاسريلز عن تجربته كوزير سابق للاستخبارات في جنوب أفريقيا، والتحديات التي واجهها الجناح المسلح للمؤتمر القومي الأفريقي (ANC) في التحول نحو النشاط السياسي السلمي.
أما معين الطاهر، الباحث والمنسق لمشروع توثيق القضية الفلسطينية في المركز العربي، وهو العضو السابق في المجلس الثوري لحركة "فتح"، والمجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية، وشارك أيضًا في تأسيس الكتيبة الطلابية في "فتح"، كما قاد القوات الفلسطينية واللبنانية المشتركة في قاطع بنت جبيل - مارون الراس عام 1978؛ فقد قدم شهادة بعنوان "الحالة الفلسطينية بين ارتباك البنادق وتعثّر السلام"، تلخصت في عرض تجربة الكفاح الفلسطيني المسلح، منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، والتحوّل التدريجي في مسارها من العمل المسلح إلى محاولة تلمّس آفاق للانخراط في تسوية سياسية لصراع مستدام، وصولًا إلى التوقيع على إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي المعروف باتفاق أوسلو عام 1993، الذي أُعيد إنتاجه من جديد، بعد تسلّم الرئيس محمود عباس رئاسة السلطة الفلسطينية عام 2005.
وحاول الطاهر الإجابة عن بعض الأسئلة التي تتعلق بالزمن الحقيقي الذي بدأ فيه التوجه الفلسطيني نحو التسوية، وأسبابه، وتطرق إلى العلاقة المتشابكة والملتبسة، التي سادت لعقدين من الزمان، بين أسلوب الكفاح المسلح والسعي نحو التسوية، وأطل على تأثير موازين القوى والنزاعات المحلية والدولية السائدة في حينه على هذه التحوّلات.
أما الشهادة الثالثة والختامية، فحملت عنوان "من المقاتلة إلى الوطن"، قدمها عبد الحكيم بلحاج، وهو سياسي ليبي وقائد عسكري سابق لـ"الجماعة الإسلامية المقاتلة" (منحلة حاليًا) والقائد العسكري السابق للمجلس العسكري في طرابلس، وهو الكيان السياسي والعسكري الذي سيطر على أجزاء من مدينة طرابلس عقب سقوط نظام القذافي، وهو حاليًا رئيس حزب "الوطن". وقدم بلحاج في شهادته تقييمًا شاملًا لتجربة الجماعات المقاتلة في أفغانستان، وأهم العقبات التي حالت دون تحول هذه التجارب من مرحلة السلاح إلى مرحلة السلام.
وناقشت الجلسة الصباحية تجارب التحول من السلاح إلى السلام في أفريقيا. وقدم المحاضر في جامعة بريتوريا، ثولا سمبسون، بحثًا بعنوان "دعاية مسلحة وحرب الشعب: طريق المؤتمر الوطني الأفريقي إلى السلطة 1984-1994". وركز على المرحلة الحاسمة من النضال التحرّري في جنوب أفريقيا، بدءًا من أيلول/ سبتمبر 1984، الذي شهد انتفاضة الضواحي الكبرى ضد نظام الفصل العنصري. واستعرض أساليب التعبئة السياسية الجماهيرية التي اعتمدها المؤتمر في سعيه الناجح في النهاية لإحراز الانتصار النهائي في صندوق الاقتراع ومختلف العقبات والانشقاقات والضغوطات التي عرفها.
والورقة الثانية قدمها الأستاذ في جامعة أديس أبابا، ميهري تادل مارو، وتناولت "الانتقال في إثيوبيا: من الكفاح المسلح إلى سياسة الائتلاف". وقدم مارو عرضًا لانتقال المنظمات المسلحة الإثيوبية إلى ائتلاف سياسي حاكم، كما عرض لمحة عامة عن الانتصار العسكري على النظام السابق، وانتقال شركاء الائتلاف من كونهم مقاتلين مسلحين ليُمسوا رجال الدولة.
أما الجلسة الثانية، فتضمنت شهادات ثلاث من القيادات السياسية التي كانت جزءًا من عمليات الانتقال من السلاح إلى السلام في العالم العربي، وكانت الشهادة الأولى لأسامة رشدي، وهو متحدث سابق باسم "الجماعة الإسلامية" في الخارج، ومستشار سياسي لحزب البناء والتنمية في مصر. جاءت شهادته تحت عنوان "الجماعة الإسلامية المصرية: من المواجهة المسلحة إلى العمل السياسي السلمي". وقد عرض فيها مراحل مركزية في تطور الجماعة الإسلامية في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي، مع التركيز على مرحلتي التحول إلى العنف ومنه إلى السلم، وبيان أسباب هذا التحول والظروف المحيطة به.
وفي السياق ذاته، قدم العضو السابق في "الجماعات الإسلامية الليبية" المقاتلة، أنيس الشريف، الشهادة الثانية، التي كانت بعنوان "تحولات الجماعات الإسلامية المقاتلة الليبية". وطرح تجربة الجماعات المقاتلة في ليبيا وانخراطها في العملية السياسية والاندماج في مؤسسات الدولة الجديدة الأمنية والسياسية والإعلامية بعد الثورة. ويدّعي الشريف أنه "ورغم فشل التجربة الليبية في تأسيس كيان جديد؛ يمكن القول إن خيار الانتقال من العمل المسلح إلى العمل المدني كان خيارًا استراتيجيًا لأصحاب الفكر الجهادي سابقًا في ليبيا".
أما شهادة عبد الله أنس، وهو قائد سابق لبعض الوحدات العسكرية لأفغان العرب، ومدير سابق للمكتب التنفيذي للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، فقد كانت بعنوان "تحولات الجيش الإسلامي للإنقاذ والتنظيمات المسلحة الحليفة له في الجزائر". وتطرق أنس إلى ظاهرة اللجوء إلى حمل السلاح كوسيلة للتغيير السياسي بالتركيز على حالة جبهة التحرير الجزائرية، مع الإحالة إلى بعض التجارب الأخرى التي كان أنس جزءًا فاعلًا فيها، على غرار الجهاد الأفغاني.
وناقشت الندوة، خلال 7 جلسات، على مدى يومين، 26 حالة تحوّل من منظمات مسلحة إلى أحزاب سياسية أو حركات اجتماعية سلمية.