"المنارة الشعرية": في مديح الأشغال العمومية

23 سبتمبر 2018
("جامع الجزائر الأعظم" في العاصمة الجزائرية)
+ الخط -

منذ وضع حجره الأساس في 2012، تأجّل افتتاح "جامع الجزائر" في العاصمة الجزائرية لأكثر من أربع مرّات، آخرها نهاية العام الماضي. فالمشروع الذي تقول الحكومة الجزائرية إنه سيكون "معلماً معمارياً وثقافياً" عرف عثرات عدّة، أبرزها تأخّر الأشغال بسبب تنقّل الإشراف على إنجازه من هيئةٍ إلى أُخرى. وكانت لهذا التأخير تداعياته؛ أقلّها، بحسب ما نقلته وسائل الإعلام المحليّة، تلف أطنانٍ من السجّاد الإيراني الفاخر، قُدّم كهدية من إيران إلى الجزائر، بعد بقائها مخزّنةً في حاوياتٍ لقرابة ثلاث سنوات.

مؤخّراً، أُعلن عن موعدٍ "خامس" لتسليم المشروع الذي يُنتظَر أن يكون ثالث أكبر مسجد في العالم، بمساحة تفوق خمسةً وعشرين هكتاراً، ومئذنةٍ هي الأعلى؛ إذ يصل علوّها إلى مئتين وخمسين متراً. بينما يضمّ، إضافةً إلى قاعة الصلاة، عدداً من الفضاءات الدينية والثقافية؛ من بينها: مكتبة ومركز ثقافي وقاعة للمؤتمرات وقاعات سينمائية.

لا معلومات دقيقة بشأن تقدّم الأشغال. لكن، وبحسب وزارة السكن التي تُشرف على إنجاز المشروع بعد سحبه من وزارة الشؤون الدينية، فإن الأخير سيكون جاهزاً نهاية 2018 أو بداية السنة المقبلة "على أكثر تقدير".

ليس مؤكّداً ما إذا كان المسجد، الذي كلّف بناؤه قرابة 350 مليون دولار، سيكون جاهزاً في هذا التاريخ بالفعل، أم أنه سيتعرّض إلى عثراتٍ أخرى. غير أن مؤسّستَين رسميّتَين، هما الإذاعة الجزائرية و"الديوان الوطني لحقوق المؤلّف والحقوق المجاورة"، استبقتا هذا الموعد بالإعلان، يوم الخميس الماضي، عن جائزة باسم "المنارة الشعرية" تُمنح لـ "أفضل القصائد التي كُتبت في وصف جامع الجزائر".

لم يغفل المنظّمون عن الإشارة إلى أن الجائزة، التي تبلغ قيمتها نحو خمسة آلاف يورو، "تحظى برعاية سامية من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة" الذي كشف عن فكرة المشروع بعد "انتخابه" رئيساً لولاية ثانية عام 2004، معتبرين أن الهدف منها يتمثّل في "وصف هذا الصرح المتفرّد الذي تترقّب الأمة الإسلامية إشعاعه لبعث نور الاعتدال والوسطية، وتترقّبه الإنسانية جمعاء لمد جسور الحوار والتعايش في أمن وسلام".

بعيداً عن هذه المبالغات التي تُصوّر المسجد كحدثٍ ينتظره العالم (ولا ننكر هنا أهميّته)، يُثير تنظيم مسابقةٍ شعرية في وصف مبنى لم يكتمل بعد تساؤلاً قد يبدو طريفاً: هل سيصف "الشعراء" حركةَ العمّال والرافعات المستمرّة منذ قرابة ستّ سنوات، أم يصفون تصميمه الذي لم يصل إلى صورته النهائية، وفضاءاته الداخلية التي لم يروها، ولن يروها قبل كتابة قصائدهم، بما أن آجال استقبال الترشيحات حُدّدت في نهاية تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل، بينما لن يُفتتَح المسجد إلّا نهاية السنة الجارية على أقرب تقدير.

غير أن تلك الجزئية ليست المشكلة؛ فالشعراء هم الأكثر قدرةً على وصف ما لم يروه. المشكلة الجوهرية تتمثّل في ابتذال الشعر، وتحويله إلى ميدانٍ لاستقطاب منظومات تُكتَب حسب الطلب، وإن كان موضوعُها بناء حديثاً ليس له أيّ رصيد تاريخي ثقافي وحضاري وإنساني.

دلالات