فاجأت حركة "النهضة" التونسية مجدداً كل منافسيها السياسيين وحتى المراقبين الذين كانوا يتوقعون أن تذهب في اتجاه دعم ترشيح شخصية من خارجها للانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في 15 سبتمبر/ أيلول المقبل، وقررت في جلسة ليلية الثلاثاء لمجلس الشورى فيها، وبعد نقاشات طويلة وساخنة ترشيح نائب رئيسها عبد الفتاح مورو للرئاسة. وعلى الرغم من أن المكتب التنفيذي، الذي يرأسه زعيم الحركة راشد الغنوشي، دخل منذ الاجتماعات الأولى لمجلس الشورى بمقترح دعم شخصية خارجية، إلا أن النتيجة كانت مغايرة، لأسباب عديدة تتعلق بالداخل النهضوي أساساً قبل الحسابات الوطنية. هذا القرار الذي يُتوقع أن يخلط الأوراق مجدداً في الساحة التونسية، لا يعني أن "النهضة" تنوي التفرد بالحكم، بل يبقى هدفها الأول كما يبدو البرلمان.
وأكد رئيس مجلس الشورى، عبد الكريم الهاروني، أن المكتب التنفيذي للحركة كان قد دافع عن ترشيح شخصية من خارج "النهضة"، ولكن اجتماع يوم السبت الماضي أظهر وجود رأيين مختلفين، "ولم نتوصل إلى قرار بأغلبية مريحة... فخيّرنا التريّث ومواصلة الحوار والاتصالات، ونجحنا في إيجاد توافق بين المكتب التنفيذي ومجلس الشورى". وأوضح الهاروني في ندوة صحافية عُقدت أمس الأربعاء، أن هذا التوافق "عبّر عنه رئيس الحركة راشد الغنوشي باعتباره المرشح الطبيعي للحركة وفق نظامها الداخلي، ولكنه أعلن عن تنازله عن ذلك، واقترح عبد الفتاح مورو، ومجلس الشورى صادق على هذا الاقتراح بما يشبه الإجماع".
ويثير ترشيح مورو أكثر من سؤال على "النهضة" وعلى منافسيها، إذ يبدو أن الحركة أربكت الجميع بهذا القرار المفاجئ، وستجبرهم على إعادة كل الحسابات، ولكن الثابت أن الترشيح سيتيح منافسة متكافئة تظهر فيها حقيقة الأحجام الرئاسية لكل المرشحين. فدعم الحركة شخصية محددة دون غيرها كان ليحجب هذه الحقيقة وربما يرجح كفة أحدهم أو يقلصها أيضاً، وحيادها المطلق كما حدث في 2014 كان سيذهب بخزانها الانتخابي إلى أكثر من مرشح، وهو ما كان يعوّل عليه كثيرون، سيجدون أنفسهم حالياً في تسلل واضح. ولكن ترشيح "النهضة" لإحدى شخصياتها الاعتبارية، عبد الفتاح مورو، سيحافظ على كتلة أصواتها، خصوصاً أنها ستذهب مباشرة بعد ذلك إلى انتخابات تشريعية تضع فيها كل ثقلها.
ورجحت بعض المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" أن أحد الذين كانوا يعوّلون على المد النهضوي وخزانه الانتخابي، حمادي الجبالي، قد يسحب ترشحه من المنافسة الرئاسية بعد ترشيح مورو.
ولا يعني ترشيح مورو أن "النهضة" غيّرت من جوهر فكرتها الأصلية حول تقاسم السلطة في تونس، وهي بالتأكيد لا ترغب في ذلك لأنها تدرك أن تغوّلها سيعيد التجربة التونسية ككل إلى مربع التهديدات الأولى، ولكنها ستحتفظ بقرارها إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، عندما تظهر النتائج وتتضح الصورة، لأن المؤكد أن "النهضة" قد حسمت خيارها الأول وهو البرلمان، وستُظهر نتائجها في الانتخابات التشريعية مدى إمكانية مشاركتها في الحكومة، وإذا تمكّنت من ذلك فإنها لن تسعى إلى المنافسة على قصر قرطاج أيضاً، إلا إذا فجّر مورو مفاجأة العبور إلى الجولة الثانية من الرئاسيات بنسبة أصوات كبيرة، وهو ما سيشكّل مأزقاً لـ"النهضة" يفرض عليها البحث عن مخرج له.
اقــرأ أيضاً
وتدرك الحركة مدى حساسية هذه الوضعية، ولذلك قال الهاروني إن الحركة باعتبارها "حزباً أول في البلاد تدخل الاستحقاق الانتخابي لتحكم... ولكن ليس لوحدها بل مع شركائها الذين سيفرزهم الصندوق... نريد المشاركة في الحكم مشاركة فعالة من دون تغوّل، نحن أخذنا الدرس من النداء الذي فاز في 2014 وحرص على أن تكون له الرئاسات الثلاث... والنتيجة نعرفها".
ويعرف الهاروني أن "النهضة" ستكون موجودة في البرلمان، وبنسبة كبيرة في الحكومة المقبلة، إلا إذا حصلت مفاجآت مدوية في الانتخابات وتراجعت الحركة تراجعاً كبيراً، وأفرز الصندوق أغلبيات جديدة تدفعها إلى المعارضة، فما الذي تعنيه إذاً المراهنة أيضاً على الرئاسة، فيما "النهضة" ترفض التغوّل وإعادة تجربة "النداء"؟
الإجابة عن هذا السؤال تجد تفسيرها داخل المنظومة النهضوية نفسها، فاجتماعات السبت أظهرت اختلافاً كبيراً بين موقفين متناقضين، 45 لصالح ترشيح شخصية نهضوية للرئاسة و44 لصالح دعم شخصية أخرى، واجتماعات ليلة الثلاثاء لم تخرج عن هذا السياق وشهدت نقاشات ساخنة، ولكن الغنوشي التقط أهمية الموقف تاريخياً وسياسياً، وفضّل المحافظة على وحدة الحركة على موقفه الشخصي. وقال الهاروني بعد الاجتماع "نحن معتزون بخروج النهضة موحّدة وقوية".
ولكن القيادي في حركة "النهضة"، رفيق عبد السلام، وأحد أبرز المقربين من الغنوشي، اعتبر تعقيباً على قرار الشورى أن اختيار مرشح من داخل النهضة "خيار خاطئ". وكتب عبد السلام على صفحته الرسمية على "فيسبوك" مباشرة بعد القرار "على الرغم من احترامي وتقديري للشيخ عبد الفتاح مورو، فإن اختيار مرشح من داخل النهضة خيار خاطئ، ولا يستجيب لمقتضيات المرحلة... الوحدة على الخطأ هي وحدة مغشوشة ومزيفة'".
إلا أن عبد السلام يدرك أن الغنوشي استجاب لرغبة واضحة من القيادات الوسطى وبعض القواعد التي لم تكن راضية عن خيار 2014 عندما اختارت "النهضة" الحياد، ولم تكن موافقة على تكرار التجربة، بالإضافة إلى كل تداعيات اختيار قوائم الانتخابات التشريعية وما كيل للقيادة من اتهامات حول التفرد بالرأي وعدم الاستجابة لخيارات القواعد في الانتخابات التمهيدية الداخلية لـ"النهضة". ولم يكن الغنوشي كما يبدو مستعداً لمواجهة جديدة قد تعصف بوحدة الحركة، خصوصاً أن رأيه الداعي إلى ترشيح شخصية من الخارج يبقى قائماً لغاية الدور الثاني للرئاسيات، عندما تتوضح الصورة جلية للجميع.
اقــرأ أيضاً
وأكد رئيس مجلس الشورى، عبد الكريم الهاروني، أن المكتب التنفيذي للحركة كان قد دافع عن ترشيح شخصية من خارج "النهضة"، ولكن اجتماع يوم السبت الماضي أظهر وجود رأيين مختلفين، "ولم نتوصل إلى قرار بأغلبية مريحة... فخيّرنا التريّث ومواصلة الحوار والاتصالات، ونجحنا في إيجاد توافق بين المكتب التنفيذي ومجلس الشورى". وأوضح الهاروني في ندوة صحافية عُقدت أمس الأربعاء، أن هذا التوافق "عبّر عنه رئيس الحركة راشد الغنوشي باعتباره المرشح الطبيعي للحركة وفق نظامها الداخلي، ولكنه أعلن عن تنازله عن ذلك، واقترح عبد الفتاح مورو، ومجلس الشورى صادق على هذا الاقتراح بما يشبه الإجماع".
ورجحت بعض المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" أن أحد الذين كانوا يعوّلون على المد النهضوي وخزانه الانتخابي، حمادي الجبالي، قد يسحب ترشحه من المنافسة الرئاسية بعد ترشيح مورو.
ولا يعني ترشيح مورو أن "النهضة" غيّرت من جوهر فكرتها الأصلية حول تقاسم السلطة في تونس، وهي بالتأكيد لا ترغب في ذلك لأنها تدرك أن تغوّلها سيعيد التجربة التونسية ككل إلى مربع التهديدات الأولى، ولكنها ستحتفظ بقرارها إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، عندما تظهر النتائج وتتضح الصورة، لأن المؤكد أن "النهضة" قد حسمت خيارها الأول وهو البرلمان، وستُظهر نتائجها في الانتخابات التشريعية مدى إمكانية مشاركتها في الحكومة، وإذا تمكّنت من ذلك فإنها لن تسعى إلى المنافسة على قصر قرطاج أيضاً، إلا إذا فجّر مورو مفاجأة العبور إلى الجولة الثانية من الرئاسيات بنسبة أصوات كبيرة، وهو ما سيشكّل مأزقاً لـ"النهضة" يفرض عليها البحث عن مخرج له.
وتدرك الحركة مدى حساسية هذه الوضعية، ولذلك قال الهاروني إن الحركة باعتبارها "حزباً أول في البلاد تدخل الاستحقاق الانتخابي لتحكم... ولكن ليس لوحدها بل مع شركائها الذين سيفرزهم الصندوق... نريد المشاركة في الحكم مشاركة فعالة من دون تغوّل، نحن أخذنا الدرس من النداء الذي فاز في 2014 وحرص على أن تكون له الرئاسات الثلاث... والنتيجة نعرفها".
ويعرف الهاروني أن "النهضة" ستكون موجودة في البرلمان، وبنسبة كبيرة في الحكومة المقبلة، إلا إذا حصلت مفاجآت مدوية في الانتخابات وتراجعت الحركة تراجعاً كبيراً، وأفرز الصندوق أغلبيات جديدة تدفعها إلى المعارضة، فما الذي تعنيه إذاً المراهنة أيضاً على الرئاسة، فيما "النهضة" ترفض التغوّل وإعادة تجربة "النداء"؟
الإجابة عن هذا السؤال تجد تفسيرها داخل المنظومة النهضوية نفسها، فاجتماعات السبت أظهرت اختلافاً كبيراً بين موقفين متناقضين، 45 لصالح ترشيح شخصية نهضوية للرئاسة و44 لصالح دعم شخصية أخرى، واجتماعات ليلة الثلاثاء لم تخرج عن هذا السياق وشهدت نقاشات ساخنة، ولكن الغنوشي التقط أهمية الموقف تاريخياً وسياسياً، وفضّل المحافظة على وحدة الحركة على موقفه الشخصي. وقال الهاروني بعد الاجتماع "نحن معتزون بخروج النهضة موحّدة وقوية".
إلا أن عبد السلام يدرك أن الغنوشي استجاب لرغبة واضحة من القيادات الوسطى وبعض القواعد التي لم تكن راضية عن خيار 2014 عندما اختارت "النهضة" الحياد، ولم تكن موافقة على تكرار التجربة، بالإضافة إلى كل تداعيات اختيار قوائم الانتخابات التشريعية وما كيل للقيادة من اتهامات حول التفرد بالرأي وعدم الاستجابة لخيارات القواعد في الانتخابات التمهيدية الداخلية لـ"النهضة". ولم يكن الغنوشي كما يبدو مستعداً لمواجهة جديدة قد تعصف بوحدة الحركة، خصوصاً أن رأيه الداعي إلى ترشيح شخصية من الخارج يبقى قائماً لغاية الدور الثاني للرئاسيات، عندما تتوضح الصورة جلية للجميع.