27 يونيو 2019
"النهضة".. كل هذه الأضواء
محمد المولدي الداودي (تونس)
المبالغة في البعد الاستعراضي الذي تجلّى في المؤتمر العاشر لحزب حركة النهضة يخفي مخاوف كثيرة، أحكم العقل التنظيمي للحركة إخفاءها، وهي الحركة التي عاشت عقوداً من وجودها تنظيماً سريّاً وحركة محظورة، تحسن التخفّي والمناورة.
في ظلّ البهرج الاحتفالي المملوء أضواءً، كانت عمليّة طقوسيّة، أشبه ما تكون باحتفال طقوسيّ وثنيّ يودّع من خلاله الناس موتاهم، ففي ظلّ هذا البعد الاحتفالي الطقوسي، كانت حركة النهضة تودّع الفكرة المؤسسة والجوهر الحيّ الذي أبقاها حركة حيّة في نفوس أتباعها وأشياعها.
كانت الفكرة الإسلاميّة التي استمدّت منها حركة النهضة مشروعيّة وجودها، وقوّة حضورها، وأكسبها بعداً شعبيّاً يقوى تناسبيّا مع مغالبة الدولة للدين، ومحاربة مظاهر التديّن ومحاولة "التحديث القصري" المملوء "علمنة"، تستحثّ الخطى نحو النموذج الفرنسي بعيدا عن هويّة الشعب وقيمه الدينيّة.
عاشت النهضة في وجدان النّاس حركة إسلاميّة، وكذلك استعادها ناخبوها في أوّل انتخابات تشريعيّة بعد الثورة، وكانت أسئلة النّاس في الحملة الانتخابيّة مليئةً روحا إسلاميّة في قضايا المجتمع والتعليم والاقتصاد والثقافة والسياحة، وكان المرّشحون للانتخابات يجيبون، بالآية والحديث ونصوص السيرة وأخبار الصّحابة، مع التأكيد على ضرورة المزاوجة بين العمق الإسلامي "للمشروع" الذي تتبناه حركة النهضة ومقتضيات الحداثة والحكم في الدولة المعاصرة.
هذا التحوّل المباغت، تحوّل دفعت إليه "النهضة" دفعا بعد تجربة الحكم والانقلاب الدّموي في مصر، والحرب الأهليّة في سورية واليمن وليبيا، ومحاصرة التجربة الإسلاميّة والحركات التي تتبنّى الفكرة الإسلاميّة في الأردن والكويت. لذلك، كانت مسالك الخروج غامضة ومراوغة في مستوى العبارة ومضامين الخطاب واعتماد عبارات "التخصّص" و"العمل المجتمعي" بعيداً عن العمل السياسي"، لا يلغي مزالق منهجيّة كثيرة، لن يقدر قادة "النّهضة" على الإجابة عليها، في ظلّ أسئلة حائرة تردّدت في قاعات المؤتمرات أثناء مناقشة اللّوائح.
البهرج الاحتفالي والمبالغة في طقوسيّة الفرجة وبناء مشهد تعبّدي في افتتاح المؤتمر شكل من أشكال تخدير الجمهور، وإخفاء مداخل المتاهة وتعمية السبيل وانحرافات السير، ففي افتتاح المؤتمر ثمة طقوسيّة ظاهرة، تشبه، إلى حدّ ما، تلك الطقوس الاحتفاليّة التي تصاحب تقديم القرابين في المعابد الوثنيّة القديمة، حيث يسعد الضحيّة كثيرا بمراسم الاحتفال قبل قتله.
الأضواء وهتافات "الجمهور" ووصلات الموسيقى.. كلّها عناصر لبناء مشهد فرجوي، يتجاوز مجرّد استعراض القوةّ، والتأكيد على وجود ميداني، تسرّبت مخاوف انكفائه للقادة والأنصار، بل كان من أشكال التعبير "الاحتمائي" الذي تعبّر من خلاله المجموعات المستهدفة إثنيّا أو دينيّا عن حضورها القويّ، وقدرتها على المواجهة.
يدرك قادة "النهضة" والذين أشرفوا على هذا الافتتاح الاحتفالي مخاوف الاستهداف، والرغبة التي تجتاح كثيراً من المكوّنات السياسيّة في إقصاء "النهضة"، ولذلك، كان هذا المشهد الاستعراضي الذي يشبه، إلى حدّ كثير، ما يصنعه جمهور الملاعب .
في احتفال رسميّ، وفي المؤتمر العاشر للحركة، يعلن القادة وبحضور المشيّعين والمودّعين عن إخراج "الروح" وقتل الفكرة المؤسسة والردّة عن الأصول الثابتة التي ميّزت الحركة سياسيّا وثقافيّا وتربويّاً، وفي خطاب متفلسف "سفسطائي" يرثي القادة أفكارهم ومبادئهم لتبقى الحركة عارية فكريّا من غير لباس، ولتستحيل حزباً سياسيّاً، كالماء تماما، لا لون له ولا طعم، لكنّها سهلة الهضم والاحتواء، تتشكّل حسب طبيعة الوعاء سعة وضيقا .
سيقولون كثيراً من الكلام البليغ، وسيستعينون بمهارات الدّفاع والحجاج، وسيذهبون في متاهات الغموض التي تبنيها العبارات. ولكن، حتماً لن يقدروا على القول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
تتشابه الأحزاب، جميعاً، في الرؤى الاقتصاديّة والثقافيّة، فلا عبقريّة لكل حزب تميّزه، بل إنّها كانت استنساخاً بائساً للنظام السابق في خياراته وحلوله الاقتصاديّة، ولم تكن ميزة حزب حركة النهضة في الطرح الاقتصادي، أو غيره، وإنّما كانت في ذلك العمق الديني والفكرة الإسلاميية الروح التي أبقت الحركة جسدا حيّاً، على الرغم من سنين الظلم والقمع.
الحركة الآن بلا روح أو فكرة أو مشروع، هي الآن لون مستنسخ من ألوان كثيرة، بعضها منكور ومكروه، وعمليّة "المحو الصّاخب" الذي مارسه قادتها في افتتاح المؤتمر العاشر هي الفصل بين روح حيّة تحيا في وجدان النّاس وجسد سيبلى ويفنى كما بلى من قبله من أحزاب.
في ظلّ البهرج الاحتفالي المملوء أضواءً، كانت عمليّة طقوسيّة، أشبه ما تكون باحتفال طقوسيّ وثنيّ يودّع من خلاله الناس موتاهم، ففي ظلّ هذا البعد الاحتفالي الطقوسي، كانت حركة النهضة تودّع الفكرة المؤسسة والجوهر الحيّ الذي أبقاها حركة حيّة في نفوس أتباعها وأشياعها.
كانت الفكرة الإسلاميّة التي استمدّت منها حركة النهضة مشروعيّة وجودها، وقوّة حضورها، وأكسبها بعداً شعبيّاً يقوى تناسبيّا مع مغالبة الدولة للدين، ومحاربة مظاهر التديّن ومحاولة "التحديث القصري" المملوء "علمنة"، تستحثّ الخطى نحو النموذج الفرنسي بعيدا عن هويّة الشعب وقيمه الدينيّة.
عاشت النهضة في وجدان النّاس حركة إسلاميّة، وكذلك استعادها ناخبوها في أوّل انتخابات تشريعيّة بعد الثورة، وكانت أسئلة النّاس في الحملة الانتخابيّة مليئةً روحا إسلاميّة في قضايا المجتمع والتعليم والاقتصاد والثقافة والسياحة، وكان المرّشحون للانتخابات يجيبون، بالآية والحديث ونصوص السيرة وأخبار الصّحابة، مع التأكيد على ضرورة المزاوجة بين العمق الإسلامي "للمشروع" الذي تتبناه حركة النهضة ومقتضيات الحداثة والحكم في الدولة المعاصرة.
هذا التحوّل المباغت، تحوّل دفعت إليه "النهضة" دفعا بعد تجربة الحكم والانقلاب الدّموي في مصر، والحرب الأهليّة في سورية واليمن وليبيا، ومحاصرة التجربة الإسلاميّة والحركات التي تتبنّى الفكرة الإسلاميّة في الأردن والكويت. لذلك، كانت مسالك الخروج غامضة ومراوغة في مستوى العبارة ومضامين الخطاب واعتماد عبارات "التخصّص" و"العمل المجتمعي" بعيداً عن العمل السياسي"، لا يلغي مزالق منهجيّة كثيرة، لن يقدر قادة "النّهضة" على الإجابة عليها، في ظلّ أسئلة حائرة تردّدت في قاعات المؤتمرات أثناء مناقشة اللّوائح.
البهرج الاحتفالي والمبالغة في طقوسيّة الفرجة وبناء مشهد تعبّدي في افتتاح المؤتمر شكل من أشكال تخدير الجمهور، وإخفاء مداخل المتاهة وتعمية السبيل وانحرافات السير، ففي افتتاح المؤتمر ثمة طقوسيّة ظاهرة، تشبه، إلى حدّ ما، تلك الطقوس الاحتفاليّة التي تصاحب تقديم القرابين في المعابد الوثنيّة القديمة، حيث يسعد الضحيّة كثيرا بمراسم الاحتفال قبل قتله.
الأضواء وهتافات "الجمهور" ووصلات الموسيقى.. كلّها عناصر لبناء مشهد فرجوي، يتجاوز مجرّد استعراض القوةّ، والتأكيد على وجود ميداني، تسرّبت مخاوف انكفائه للقادة والأنصار، بل كان من أشكال التعبير "الاحتمائي" الذي تعبّر من خلاله المجموعات المستهدفة إثنيّا أو دينيّا عن حضورها القويّ، وقدرتها على المواجهة.
يدرك قادة "النهضة" والذين أشرفوا على هذا الافتتاح الاحتفالي مخاوف الاستهداف، والرغبة التي تجتاح كثيراً من المكوّنات السياسيّة في إقصاء "النهضة"، ولذلك، كان هذا المشهد الاستعراضي الذي يشبه، إلى حدّ كثير، ما يصنعه جمهور الملاعب .
في احتفال رسميّ، وفي المؤتمر العاشر للحركة، يعلن القادة وبحضور المشيّعين والمودّعين عن إخراج "الروح" وقتل الفكرة المؤسسة والردّة عن الأصول الثابتة التي ميّزت الحركة سياسيّا وثقافيّا وتربويّاً، وفي خطاب متفلسف "سفسطائي" يرثي القادة أفكارهم ومبادئهم لتبقى الحركة عارية فكريّا من غير لباس، ولتستحيل حزباً سياسيّاً، كالماء تماما، لا لون له ولا طعم، لكنّها سهلة الهضم والاحتواء، تتشكّل حسب طبيعة الوعاء سعة وضيقا .
سيقولون كثيراً من الكلام البليغ، وسيستعينون بمهارات الدّفاع والحجاج، وسيذهبون في متاهات الغموض التي تبنيها العبارات. ولكن، حتماً لن يقدروا على القول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
تتشابه الأحزاب، جميعاً، في الرؤى الاقتصاديّة والثقافيّة، فلا عبقريّة لكل حزب تميّزه، بل إنّها كانت استنساخاً بائساً للنظام السابق في خياراته وحلوله الاقتصاديّة، ولم تكن ميزة حزب حركة النهضة في الطرح الاقتصادي، أو غيره، وإنّما كانت في ذلك العمق الديني والفكرة الإسلاميية الروح التي أبقت الحركة جسدا حيّاً، على الرغم من سنين الظلم والقمع.
الحركة الآن بلا روح أو فكرة أو مشروع، هي الآن لون مستنسخ من ألوان كثيرة، بعضها منكور ومكروه، وعمليّة "المحو الصّاخب" الذي مارسه قادتها في افتتاح المؤتمر العاشر هي الفصل بين روح حيّة تحيا في وجدان النّاس وجسد سيبلى ويفنى كما بلى من قبله من أحزاب.
مقالات أخرى
17 يناير 2019
01 يناير 2019
13 ديسمبر 2018