في كتابه "الوخز بالكلمات - مجازات سحر الرباطاب ولجام الشرع"، الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يستكشف الباحث المجازات البلاغية المضمنة لدى إحدى قبائل السودان، وهو ثمرة عمل ميداني ضمّنه في أطروحة الدكتوراه التي نالها من "جامعة إنديانا" في الولايات المتحدة، ثم عرّبها وحرّرها بالتعاون مع الخاتم المهدي.
يتطرّق الفصل الأول "عن الناس وأجناس القول" إلى "الطشيش" لدى الرباطاب الذين يسكنون في منطقة النيل الوسطى ويزعمون مع قبائل الجعيين نسباً عربياً يتصل بالعباس عم النبي محمد، والطشيش يعني الهجرة إلى سوق العمل ذهاباً وإلى القرية إياباً، وهو يعني بلغتهم الضلال عن الطريق، أي الهجرة والغربة، "اعترافًا بالإغراء الشيطاني الذي تجسده سوق العمل، وبالواقع الذي تجسده القرية، مسقط الرأس وعقبى الدار".
يتناول الفصل الثاني "السحر وفنتازيا الاختلاف" الجماعات الأخرى التي ينسب إليها الرباطاب ممارسة ضرب أو آخر من ضروب السحر، وكيف شكّل ذلك مفهوم "الآخر" بالنسبة إلى القبيلة واعتبار الممارسين للسحر منهم يندرجون ضمن أقوام أخرى يتهمون بأنهم يحوّلون أنفسهم إلى كائنات أو جمادات، وأنهم من آكلي لحم البشر ومصاصي دماء وغيلان.
في الفصل الثالث "الخطاب ولجام الشرع" يفحص إبراهيم خطاب الرباطاب من منظور معتقداتهم الإسلامية، وتناول أجناسه الشعرية والسردية ومناسبات القول عندهم، مركزاً على التوتر الكائن بين خطاب الذهنية الشرعانية المسيطر وأشكال فن القول.
يعاين الفصل الرابع "السحر نظرية وممارسة" مفاهيم خاصة بالسحر، كالعين الشريرة والفم الحار، وماهية السَحْرَة، والكلام الذي يثلم حد السحر وتعريف السحَّار، بينما يذهب في الفصل الخامس "أي نوع من المقردة؟" إلى التوسع في الحديث عن كلمات السحر وطقوسه، كما يستعرض مجازات السحر وسجن اللسان وحدود المزاح.
يقارن الباحث في الفصل السادس والأخير "بهو الأصوات: أجناس السَحْرَة" بين مختلف الأجناس التي تُروى فيها واقعة السحر، "لنرى كيف تعبر هذه الأجناس عن الآراء المتضاربة التي يراها مختلف رواة السَحْرَات، كلٌّ من زاويته، فتكلم عن السَحْرَة النكتة والسَحْرَة اللجند وسَحْرَة الحكاية والسَحْرَة اللغز والسَحْرَة المثل والسَحْرَات المؤَدَّاة".
يُذكر أن عبد الله علي إبراهيم مؤرّخ وكاتب وأكاديمي سوداني. من بين إصدارته؛ "تاريخ القضائية والتجديد الإسلامي في السودان"، و"الماركسية ومسألة اللغة في السودان"، و"الشريعة والحداثة"، و"صدأ الفكر السياسي السوداني"، و"محمد عبد الرحمن شيبون وجيل الخمسينات اليساري في السودان"، و"التعريب: هذيان مانوي"، و"محنة زنجبار 1964: هل العرب مواطنون أو مستوطنون في أفريقيا".