يستدعي الفيلم القصير "بالأبيض" (15د.، 2017)، للّبنانية دانيا بدير (الكاتبة والمخرجة والمنتجة)، تأمّلاً في لحظته الجمالية، المفتوحة على أسئلة الحبّ والعلاقات والتقاليد، وعلى مفهوم الآخر في البناء الاجتماعيّ اللبنانيّ. حساسية الصورة في التقاطها نبض الانفعال، المفتوح على موت الأب والقلق إزاء إعلان حبّ سيكون مرفوضاً في الجماعة، مدخلٌ إلى مقاربة تلك الأسئلة، كمحاولة إضافية لتفكيك شيءٍ من نظام متحكّم بأفرادٍ، هو نفسه (النظام) منبثقٌ من مسلك جماعي مُشيَّد على قواعد صارمة.
لن يحتمل "بالأبيض" إسقاطات عديدة، لانهماكه بقولٍ سينمائيّ موارب وجميل. قول يكشف شيئاً من واقعٍ مأزوم، سيكون ارتداء الأبيض في عزاءٍ عائليّ أحد أدوات الانقلاب عليه؛ وسيكون الاستمرار بإخفاء الهوية الدينية للحبيب جزءاً من رفض الجماعة، بعدم منحها وسيلة إضافية للتحكّم بالفرد. ورغم أن ثنائية كهذه (ارتداء الأبيض وإخفاء الهوية الدينية في آن واحد) تبدو كحالة صدامية بين متناقِضَين اثنين، إلاّ أنها أقدر على إيجاد توازنٍ درامي جمالي لحكاية لارا (ماريا أشقر)، ابنة الأعوام الـ 24، العائدة من نيويورك لوداع والدها، ولمشاركة والدتها وأفراد عائلتها حزن الفقدان، وتقبّل التعازي.
فالحكاية، البسيطة والهادئة والشفّافة، لن تكون مغايرة عن حكاياتٍ تُشبهها، ولن تبقى عصيّة على إدراك مضمونٍ ينفتح على تلك الأسئلة، المطروحة في الحياة اليومية لكثيرين. فلارا، ابنة عائلة درزية، مرتبطة بعلاقة حبّ عميق بنواه (بنجامن زوسْمان)، اليهوديّ الأميركي؛ والعائلة ملتزمة، قواعد وأدوات عيش وتعبيراً، ومتمسّكة بهذا كنمط حياة وسلوك. وفاة الأب مفتتحٌ بصريّ لكشفٍ هادئ، عبر الصورة وحركة الممثلين ونبض إيقاعهم داخل غرف المنزل، يطاول (الكشف) حالاتٍ نفسية وفكرية وإنسانية واجتماعية؛ ولحظة العزاء مناخٌ أوسع من أن يبقى أسير جدرانٍ تريد لارا، الغارقة في غليان وغضب وتوتر وارتباك، تحطيمها.
سؤال الهوية الدينية أحد تلك العناوين نادرة المعالجة الصريحة في أفلامٍ لبنانية عديدة. لكن "بالأبيض" لن يختزل حبكته بهذا السؤال فقط، مع أنه سيُشكّل، في أحد منعطفات المسار السرديّ للحكاية، أساس الانقلاب الصامت. ففي مقابل الحضور الجوهريّ للسؤال، يعكس الفيلم وقائع عيشٍ لبناني تقليديّ، ستكون للألوان الغامقة في التقاط صُوَره ومشاهده (تصوير كريستوفر عون) دوراً فاعلاً ومؤثّراً في تبيان خفايا ذات وروح وعلاقات. أما لحظات الاضطراب، التي تعيشها لارا، فستؤدّي إلى اختيار الأبيض وسط السواد الكالح، تعبيراً صادقاً وصادماً وحقيقيّاً عن رغبة الخروج من وطأة الجماعة.
والسواد يظهر في ملابس أهل الفقيد وعائلته ومعارفه وجماعاته المختلفة، كما في اختيار الليل كامتدادٍ لمناخٍ سائد داخل المنزل وخارجه، وفي النفوس ومحيطها؛ فإذْ بالتصوير يمنح هذا كلّه حيويته في تبيان تأثيرات المناخ برمّته، ونتائج التأثيرات، المنعكسة في أنواع مختلفة لتمرّد بديع.
اقــرأ أيضاً
لن يحتمل "بالأبيض" إسقاطات عديدة، لانهماكه بقولٍ سينمائيّ موارب وجميل. قول يكشف شيئاً من واقعٍ مأزوم، سيكون ارتداء الأبيض في عزاءٍ عائليّ أحد أدوات الانقلاب عليه؛ وسيكون الاستمرار بإخفاء الهوية الدينية للحبيب جزءاً من رفض الجماعة، بعدم منحها وسيلة إضافية للتحكّم بالفرد. ورغم أن ثنائية كهذه (ارتداء الأبيض وإخفاء الهوية الدينية في آن واحد) تبدو كحالة صدامية بين متناقِضَين اثنين، إلاّ أنها أقدر على إيجاد توازنٍ درامي جمالي لحكاية لارا (ماريا أشقر)، ابنة الأعوام الـ 24، العائدة من نيويورك لوداع والدها، ولمشاركة والدتها وأفراد عائلتها حزن الفقدان، وتقبّل التعازي.
فالحكاية، البسيطة والهادئة والشفّافة، لن تكون مغايرة عن حكاياتٍ تُشبهها، ولن تبقى عصيّة على إدراك مضمونٍ ينفتح على تلك الأسئلة، المطروحة في الحياة اليومية لكثيرين. فلارا، ابنة عائلة درزية، مرتبطة بعلاقة حبّ عميق بنواه (بنجامن زوسْمان)، اليهوديّ الأميركي؛ والعائلة ملتزمة، قواعد وأدوات عيش وتعبيراً، ومتمسّكة بهذا كنمط حياة وسلوك. وفاة الأب مفتتحٌ بصريّ لكشفٍ هادئ، عبر الصورة وحركة الممثلين ونبض إيقاعهم داخل غرف المنزل، يطاول (الكشف) حالاتٍ نفسية وفكرية وإنسانية واجتماعية؛ ولحظة العزاء مناخٌ أوسع من أن يبقى أسير جدرانٍ تريد لارا، الغارقة في غليان وغضب وتوتر وارتباك، تحطيمها.
سؤال الهوية الدينية أحد تلك العناوين نادرة المعالجة الصريحة في أفلامٍ لبنانية عديدة. لكن "بالأبيض" لن يختزل حبكته بهذا السؤال فقط، مع أنه سيُشكّل، في أحد منعطفات المسار السرديّ للحكاية، أساس الانقلاب الصامت. ففي مقابل الحضور الجوهريّ للسؤال، يعكس الفيلم وقائع عيشٍ لبناني تقليديّ، ستكون للألوان الغامقة في التقاط صُوَره ومشاهده (تصوير كريستوفر عون) دوراً فاعلاً ومؤثّراً في تبيان خفايا ذات وروح وعلاقات. أما لحظات الاضطراب، التي تعيشها لارا، فستؤدّي إلى اختيار الأبيض وسط السواد الكالح، تعبيراً صادقاً وصادماً وحقيقيّاً عن رغبة الخروج من وطأة الجماعة.
والسواد يظهر في ملابس أهل الفقيد وعائلته ومعارفه وجماعاته المختلفة، كما في اختيار الليل كامتدادٍ لمناخٍ سائد داخل المنزل وخارجه، وفي النفوس ومحيطها؛ فإذْ بالتصوير يمنح هذا كلّه حيويته في تبيان تأثيرات المناخ برمّته، ونتائج التأثيرات، المنعكسة في أنواع مختلفة لتمرّد بديع.