"السينما السعودية تنمو في الخارج". هذا هو العنوان الأبرز الذي تتناقله صحف محليّة ودولية في كل مرةٍ تتناول فيها موضوع السينما في السعودية، لقد وصلت صناعة السينما القادمة من جدّة والرياض والدمام إلى مرمى الأضواء العالمية، وحصلت على إشادات إلى جانب العديد من الترشيحات والجوائز، كما حظيت بتغطية إعلامية سخية على مدار السنتين الماضيتين، إلا أنها -ولسوء الحظ- لم يتسنّى لها بعد أن تحضر بين جمهورها المحلّي.
"يوتيوب" هو المنصّة الأولى والأكثر تفاعلاً على الإطلاق في السعودية، وحسب المدير الإقليمي لغوغل في الشرق الأوسط، محمد مراد، فإن المملكة هي أعلى دولة في العالم في مشاهدة "يوتيوب"، من هذه البوابة عبر الشباب الطامح خلال خمس سنوات مضت إلى مجدهم الحالي ليصبحوا نجومًا لهم جماهيرهم. وبعد أن كان ما يقدمونه مقتصرًا على مشاهد قصيرة وبرامج دوريَّة تناقش قضايا المجتمع، أصبح هؤلاء ينتجون الأفلام، أما "مانشيت" هذا الشهر الأكثر زخمًا، فهو عرض سبعة مخرجين سعوديين أفلامهم في هوليوود.
صدى فني
"أيّام الفيلم السعودي"، الفعالية التي ضمَّت حضورًا خاصًا على المستويين الرسمي والفني، كانت الأهم؛ فقد كانت في أحد أهم امبراطوريات السينما حول العالم، هوليوود - لوس آنجلوس. حظيت الفعالية بانتباه شخصيات سينمائية بارزة في هوليوود، أما عن الأسماء المشاركة فتواجد اسم علي الكلثمي، أحد الأسماء التي حقّقت أرقامًا كبيرة على "يوتيوب"، والذي شارك بعرض فيلمه "وسطي" في الفعالية. كذلك المخرج بدر الحمود، والذي قدَّم فيلم "فضيلة أن تكون لا أحد"، بمشاركة الفنان إبراهيم الحساوي. إلى جانب أسماء مهمة أخرى.
حضر الفعالية ما يزيد على 400 مخرجًا وناقدًا، أما الانطباعات فكانت محفزة على مستوى أوّل ظهور للسينما القادمة من السعودية. الممثل جينكارلو سبوستو، أحد نجوم مسلسل "بريكنج با" الشهير، عبّر عن تطلعه لهذا "النمو التدريجي" وانتظاره للمزيد من الأعمال. أما أحد الحاضرات فظهر عليها الإعجاب قائلة: "أنا أشعر بالسعادة، أعني هل أنا حقًا في السعودية؟".
قريبًا من الأوسكار
وللحديث عن الحركة السينمائية في المملكة، فقد حظي فيلم "بركة يقابل بركة"ّ، من إخراج محمود صبّاغ بترشيح للأوسكار في الأفلام الأجنبية في مهرجان برلين السينمائي الدولي هذا العام، وهذا الترشيح يأتي كثاني ترشيح لفيلم سعودي إلى الأوسكار بعد فيلم وجدة في 2013 من إخراج هيفاء المنصور. لكن السؤال القائم هنا: إلى متى سيظل السعوديون يتنقلون بين عواصم الخليج ليحظوا بفرصة مشاهدة فيلم سينمائي؟.
وصلت الأفلام السعودية إلى منصّات عالمية، هذا صحيح، لكن السعوديون لا يزالون يعتمدون على مواقع الانترنت ومنصّات القرصنة (Torrent)، وتطبيقات الأفلام في الوصول إلى السينما، أما السيناريو المتعارف عليه، فخمسة رفاق يجتمعون في منزل آخر لمتابعة فيلمهم المفضّل؛ في محاولة للاستمتاع بأجواء جماعية، فيما يقضي الغالبية أوقاتهم في المشاهدة لوحدهم، ففي السعودية لا وجود صالات سينما؛ رغم المطالبات المستمرة والجدل الدائر حولها حتى اليوم، بين المؤسسة الرسمية السياسية والدينية وأقطابها من طرف، والحراك الفني الذي يحصد الشعبية ويتطوّر يومًا بعد يوم من طرف آخر.
سينما غائبة
لاشك أن شركات الإنتاج الفني السعودية، تعتبر الخزان للفضائيات العربية اليوم، والذي يزوِّدها بمواد ترفيهية وأفلامًا ومسلسلات حصرية تنتجها مجموعة (روتانا)، وكذلك مركز تلفزيون الشرق الأوسط (MBC) يتابعها كثير من السعوديين، كل هذا في الفضاء، أما في الداخل وعلى الأرض فلا وجود لأي انعكاسات على المستوى الفني لتلك الإمبراطوريات الإعلامية، سواء على المستوى الأكاديمي/التأهيلي أو على المستوى الثقافي، فيما بقيت الحركة السينمائية الوليدة في السعودية تمشي على استحياء محاطة بشعور بالنّبذ والغربة ينقلها لك أي مهتم بالمجال.
"قريبًا نعرضه في الوطن"، هذا ما وعد به مخرج فيلم "بركة يقابل بركة" المخرج محمود صبَّاغ، لكنه عاد محبطًا بعد عدّة أسابيع قائلاً: "إبراءً للذمّة لكل من وعدناهم بعرض فلم بركة في الوطن، هذا لن يحدث في أي وقت قريب مع العقليات الكلاسيكية التي تدير شئون الثقافة والترفيه. أعتذر"، كان هذا التصريح بمثابة صدمة لكثيرين ممّن ترقبوا أخبارًا مبشرة في عهد "هيئة الترفيه" التي أنشئت في مايو/ أيار الماضي. إلا أن صبَّاغ عاد في لقاء ليؤكد: "هيئة الترفيه تتعامل مع صناع الترفيه بشكل انتقائي بدون أية معايير، وتبحث عن (شو) إعلامي فقط"، وعن وزارة الثقافة والإعلام، والتي لا يبدو أنها تحظى بقبول مؤخرًا، فأكَّد أنها تعاملهم كهواة، وتابع في حديثه معتبرًا "وزير الثقافة يحتقر الثقافة"، حسب تغريداته على صفحته بتويتر.
فن اليوتيوب
تصريحات المخرج صبَّاغ لم تتوقف عند هذا الحد؛ بل عاد ليؤكِّد أن المسؤولين يعتقدون أن السينما و"يوتيوب" شيء واحد، مضيفًا: "تكافح بفيلمك ضد كل الظروف نحو تأسيس صناعة وثقافة سينمائية"محلية، لتأتي ذهنية غير مبدعة تصنّفك ضمن محور "يوتيوب"، ذهنية اختزالية محدودة الفهم"، ليختم هذا التصاعد التراجيدي للوضع الفني والثقافي واصفًا أن ما يحدث "بؤس مركّب".
تصريحات صبَّاغ ليست استثناءً، كما يبدو أنها ليست وحدها، فهي تعكس حالة من الإحباط والضبابية يعبِّر عنها الوسط السينمائي ككل حيال مستقبل السينما والفنون في السعودية. ومع التجاذبات الحاصلة يبقى الرهان على خلق مجال مفتوح للفن بأن يعبِّر عن نفسه، والمزيد من استثمار وتطوير المواهب، إلى جانب التوصّل إلى صيغة جادة، تؤكد على الدعم لهذه النجاحات الشبابية وتحمل التقدير للجهود الذاتية القائمة، الأمر الذي سينقل هذه التجارب والطاقات المحلية بطبيعة الحال إلى حيِّز التحدي العالمي، حيث يجب أن تكون.