قدّم محمد الطالبي العديد من الدراسات المعمّقة باللغتين العربية والفرنسية حول تاريخ شمال أفريقيا وعلاقتها بالمتوسّط وبجنوب الصحراء، متناولاً فيها الواقع الاقتصادي والاجتماعي وتحوّلاته، وانتشار الإسلام في المغرب العربي، ومنها "الدولة الأغلبية: التاريخ السياسي"، و"الصراع اللاهوتي في القيروان أيام الأغالبة".
تميّز المؤرخ والمفكر التونسي (1921 - 2017) برؤيته النقدية في تحقيق المخطوطات والمصادر التي تناولها في مؤلّفاته، في محاولة للإحاطة بالظروف السياسية والاجتماعية ورصد الإشكاليات والصراعات ضمن قراءة تأخذ بتعدّد وجهات النظر حولها، وأخذه بالمقابلة والنقد بينها، مؤمناً أن غاية الإنسان من التاريخ هي فهم أوضاعه وأحواله، وبذلك يكون التاريخ من صنع فكره.
بترجمة الباحثيْن مختار العبيدي وسماح حمدي، صدرت حديثاً عن "معهد تونس للترجمة" و"دار محمد علي للنشر" النسخة العربية من كتابه "تاريخ أفريقية والحضارة الاسلامية في العصر الوسيط" الذي صدرت طبعته الأولى بالفرنسية عام 1982.
يقارب الكتاب مسألة مهمّة تتعلّق بالأفكار السياسية في العصر الوسيط والتي اكتسبت صبغة دينية، حيث امتزاج السياسة بالدين مع أولوية الثانية على حساب الأولى، وقد وصلت إلينا عن طريق مؤلفات الفقه، لأن الساسة كانوا فقهاء آنذاك، وذلك انطلاقاً من مصطلح الأمة، الذي يرى محمد الطالبي أنه من أهم الأفكار التي من دونها يبقى تأريخ العصر الوسيط مشوباً بالغموض، حيث يقول "إن الأمة في آن واحد رمز الالتحام وقوة موحدة، والقرآن قطبها الجاذب، والرسول جامع شتاتها".
يثير الطالبي في كتابه مسألة الخلافة، الموضوع الذي طالما اهتمّ به في مؤلّفات عديدة، ناقش خلالها أوجه عدّة مثل طول فترة احتضار الخلافة الإسلامية وكيف دامت مؤسساتها رغم الاضطرابات المتواصلة، وكيف شكّلت رمزاً حياً لوحدة دار الإسلام.
يبرز المؤرخ قضايا مهمة أخرى مثل هجرة الأندلسيين إلى أفريقيا ودورهم وتأثيرها في الحياة العامة، حيث كان من بينهم العديد من الكتّاب والسياسيين الذين انخرطوا في الإدارة والجيش والبلاد منذ أيام الحفصيين، أو توجّهوا نحو التدريس لما يمتلكونه من أفضلية معرفية وثقافية، مشيراً إلى أنه رغم تأثير الجالية الأندلسية الكبير إلا أنها لم تنصهر في الحياة الاجتماعية وظلّت تستشعر الفوارق والحواجز في الوسط الأفريقي.