في مؤسسة "الأكاديمية" في باريس، تقام غداً محاضرة بالفرنسية بعنوان "تاريخ وتطوّر العربية" يقدّمها الباحث الفرنسي من أصول مغربية خليل خلوف، ضمن نشاطات المؤسسة، التي أطلقها هذا العام فرنسيون من أصول عربية، والتي تهتمّ بالبحث العلمي في مجال اللغة العربية وآدابها وفكرها وتراثها.
عن محاضرته، يقول خلوف في حديث إلى "العربي الجديد" إنها "تنطلق من سؤال: كيف وصلت إلينا اللغة العربية التي نستعملها اليوم، سواء كفصحى أو لهجاتها؟". يعتبر الباحث الفرنسي المغربي أن التصدّي لمهمّة التأريخ للغة العربية يتيح الاحتكاك بعدة قضايا، من بينها الوقوف على خصوصيّات العربية نفسها.
يقول "ثمة إشكالية منذ البداية، إذ يصعب تحديد كيف انبعثت اللغة العربية، فهي في الأصل ليست لغة واحدة تكلّم بها العرب جميعاً في ما يسمّى بالعصر الجاهلي، ثم إنها انتشرت في العالم مع الدين الإسلامي الذي ترك بصمته عليها، وفي مستوى ثان أصبحت لغة "العجم"، أي من لم تكن العربية لغتهم الأم". يضيف "من هنا، فعملية التأريخ للعربية تضعنا حيال تشتّت أصليٍّ، وتشتّت لاحق يفسّر مجموعة اللهجات التي نجدها اليوم على كامل المنطقة التي تتحدّث العربية".
يلفت خلّوف إلى ضرورة الانتباه إلى مستويين في التطوّر؛ الأول يتعلّق بقواعد اللغة والتي يرى أنها لم تتغيّر كثيراً، إذ أن درس النحو منذ سيبويه إلى أيامنا يكاد يكون نفسه. في مقابل ذلك، ثمة تطوّر كبير يتعلّق بالمفردات والتعبيرات بحيث أن عربية هذا القرن تختلف كثيراً عن تلك التي في القرن التاسع عشر، وكلما اتسع الفارق الزمني اتّضح التباين أكثر.
هنا يلاحظ خلوف أن حضور الكلمات الأجنبية يزداد أكثر فأكثر في العربية، وأن من واجب مجامع اللغة العربية اليوم أن تدفع نحو ضخّ بدائل من أصول عربية للكلمات الأجنبية التي يجري تداولها، في سبيل ألا تصبح العربية لغة قديمة أو تراثية، وهو هنا ينبّه إلى أن بعض البلاد العربية بات ينحصر حضور الضاد في قطاعات قليلة مثل الأدب والدين فيما يفضّل استعمال لغات أجنبية في مجالات أخرى كالاقتصاد والعلوم.
طرحنا على محدّثنا سؤال: كيف يرى الفعاليات التي تنتظم حول الضاد بمناسبة "اليوم العالمي للغة العربية"؟ يجيب: "أعتقد أنها تمثّل تقدّماً في خصوص مكانة العربية في العالم. ولكن تجدر الإشارة إلى أنها لا تعبّر عن المكانة التي تستحقها، فهي وإن كانت الرابعة بين أكثر لغات العالم المنطوقة، والأهم من ذلك أنه لا توجد اليوم لغة حية لها تاريخ باتساع تاريخ العربية، إلا أن مكانتها الفعلية متأخرة عن هذه المنزلة، من هنا نأمل أن يعطي هذا الاعتراف مكانة أفضل للعربية، وأن يكون قبل ذلك مناسبة لتقدير العرب للغتهم". يختم بالقول "ولكنني لا أعتقد أن فعاليات اليوم العالمي للغة العربية لها أثر كبير".