في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وضعت جماعة من العلماء الأوروبيين أسساً للفهم الغربي الحديث للحضارة الإسلامية، وأنتج هؤلاء أول ترجمة دقيقة للقرآن إلى لغة أوروبية، ورسموا خارطة للفنون والعلوم الإسلامية وجلبوا المخطوطات العربية وكتبوا التاريخ الإسلامي باستخدام مصادر عربية.
يقوم كتاب "جمهورية الآداب العربية" للباحث ألكسندر بيفيلاكوا بإعادة بناء هذه العملية، ويكشف عن تأثير المفكرين الكاثوليك والبروتستانت على فهم التنوير العلماني للإسلام وتقاليده المكتوبة، وقد صدرت منه مؤخراً طبعة جديدة من الكتاب الذي صدر أول عام 2018، وترجم إلى العربية عن دار "جروس" العام الماضي تحت عنوان "الرسائل العربية: الإسلام والمسلمون في عصر التنوير الأوروبي".
تناول الكاتب عدة محطات مهمة في تاريخ نقل الآداب والمعارف العربية إلى الحضارة الغربية، فهناك فصول عن مشاريع بناء المكتبات في أوروبا، وأول ترجمة لاتينية للقرآن أنجزها لودوڤكو ماراتشي (1612-1700).
يقف الكاتب أيضاً عند كتب مختلفة شكّلت الأساس في الفهم الغربي للحضارة الإسلامية؛ من بينها "المكتبة الشرقية" لـ بارتيليمي ديربلو الذي صدر عام 1697، وفيه مصادر المكتبة، وطريقة تنظيمها وشبكات التجميع التي جلبت المخطوطات الشرقية إلى مكتبات باريس.
اعتمد الكاتب في دراسته هذه على المصادر العربية والإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية واللاتينية، ليتتبع التاريخ الفكري للثقافة الإسلامية والطرق التي سافر بها العلماء المسيحيون للحصول عليها ودراستها وفهمها للمخطوطات العربية.
ويرى أنه وفي نهاية المطاف، وصلت الترجمات والمخطوطات والتاريخ التي أنتجتها إلى شخصيات أساسية مثل فولتير وإدوارد جيبون وآخرين لم يستوعبوا المحتوى الواقعي لهذه الأعمال فحسب، بل نسجوا تفسيراتهم واستخدموها في فكر التنوير.