منذ اليوم الأول لانطلاق انتفاضة لبنان في مدينة طرابلس الشمالية، تنفض المدينة الغبار عنها وتكشف يوماً بعد يوم عن وجه جديد من وجوهها الجميلة. صحيح أنّ كثيرين على يقين بأنّ الله الذي يتوسط اسمه التجمع بـ"ساحة النور" حامي الثورة، إلا أنّ للمدينة حرّاسها أيضاً الذين يحرصون على سلامتها وتسيير أمور المتظاهرين.
يتحرك الحراس على أطراف التجمع وفيه، يرتدون سترات صفراء تلفت الانتباه إليهم بشكل يتيح للمتظاهرين أن يتعرفوا عليهم في حال احتاجوا أي شيء، بالإضافة إلى ملصق صغير على صدورهم كتب عليه اسم كل متطوّع بخطّ مقروء.
يقول المسؤول عن مجموعة "حراس المدينة" أبو محمد شوك، لـ"العربي الجديد"، إنّ "دور الحرّاس في هذه الانتفاضة هو تنظيم التظاهرة والاعتصام وتأمينها من أي مندس أو طابور خامس، بالإضافة إلى تزويدها بالأكل والمياه وأي شيء ممكن أن يحتاجه المتظاهرون".
مع انطلاق الانتفاضة، ازدادت أعداد المتطوّعين في المجموعة بحوالي 400 متطوع إضافيّ. يؤكدّ شوك أنّ "المجموعة مستقّلة بالكامل ولا تتبع لأي زعيم أو أي تنظيم كان، وتسعى إلى الحفاظ على الأمن والأمان في الساحة لكي يتشجع الأهالي على الاستمرار في النزول إلى الشارع واستكمال ثورتهم".
ويضيف: "إذا حصل أي إشكال نحاول فضّه ونستعين بالقوى الأمنية المتعاونة بإيجابية معنا، أو نسلّم لها الأشخاص الذين افتعلوا الإشكال". ويشير شوك إلى أنّه ما من قواعد معيّنة للحراك إنما "ممنوع مدح أو شتم أي سياسي عن المنابر التي يعتليها الأشخاص الذين يخطبون بالحشود".
من هم "حرّاس المدينة"؟
أهل طرابلس باتوا يعرفونهم، ومع ذلك، فرض هذا السؤال نفسه وسط الانتفاضة التي تشهدها المدينة على غرار المناطق اللبنانية الأخرى. تأسست هذه المجموعة عام 2015 مع بداية أزمة النفايات في لبنان، وفي بيروت في الأخص. بحسب ما يقول نائب المسؤول عن المجموعة محمد صايغ، "رصد أحد الشبان في تلك المرحلة دخول شاحنات محملة بالنفايات تنقل نفايات بيروت إلى طرابلس".
ويتابع: "عندها تشكلت مجموعة من 13 شخصاً قرروا بشكل عفوي التصدي لهذه الخطوة ونجحوا بالفعل في توقيف هذه الشاحنات ومنعها من حلّ مشكلة النفايات في بيروت عبر نقلها إلى عاصمة الشمال". وسرعان ما راحت تتطور هذه المبادرة العفوية، حيث وصل عدد الحراس إلى أربعين شخصاً ثم إلى مائة وبعدها إلى مائة وستين شخصاً قبل انطلاق الانتفاضة، يوم الجمعة الماضي.
تعمل المجموعة على حماية طرابلس من كل التعديات والتهديدات التي تواجهها وذلك على كل الأصعدة، إن كانت بيئية أو حقوقية أو إنمائية. في هذا السياق، يستعيد الصايغ العديد من المبادرات التي قام بها "حراس المدينة" ومنها منع الشاحنات من رمي الردم والنفايات عشوائياً في المدينة، والتصدي لقرار تفتيش كل البضائع التي تصل إلى مرفأ طرابلس من قبل إدارة بيروت مما يعرقل سير العمل في مرفأ طرابلس، ومشاريع تزفيت شوارع المدينة موّلها أحد المغتربين وقدّمها عن روح أحد أصدقائه الشبان.
أمّا المشاريع الأخرى والنشاطات التي يقوم بها الحراس فيموّلها صندوقهم الخاص الذي يعتمد بشكل أساسي على الحرّاس أنفسهم وهو صندوق شهريّ. ويؤكد الصايغ أنّ المتطوعين لا يتقاضون أي راتب ولا أي مقابل مادي ولو بسيطا أو رمزيا.
حسام برباره، البالغ من العمر 28 عاماً، يحمل شهادة ماجستير بالفنون الصوتية والبصرية من الجامعة اللبنانية ويعمل في مجال الإحصاءات. يقول إنّه تطوع مع "حراس المدينة" منذ عام 2016 في بداياتها، وكانوا يعملون على مبادرة بمناسبة شهر رمضان اسمها "جود من الموجود". ولفت إلى أنه قرر الانضمام إليهم "لأنني لمست لديهم حرصاً كبيراً على المدينة وإخلاصاً لطرابلس، بالإضافة إلى روح العمل الجماعي الذي يطغى عليها".
من جهته، يقول نزار الآغة، البالغ من العمر 28 عاماً، والذي يعمل في تجارة الدهان والخرضوات إنّه تطوع منذ عام 2015 "لأنّ المجموعة ليست مسيّسة ولا طائفية وهي مستقلة بالكامل". ويضيف: "أنا مسؤول عن المركز في ساحة النور الذي يواكب التحرك في الساحة، ويبقى عيناً ساهرة على الداخلين والخارجين منها". أمّا سارة الحاج، طالبة جامعية تبلغ من العمر 25 عاماً، فانضمت، أخيراً، للمجموعة لأنّها أعجبت بمساعدة "حراس المدينة" للناس، ولأن مساعدة الآخرين تفرحها ببساطة. وتعتبر سارة أنّ "وجود الصبايا في الحراك مهم جداً وهي تجربة فريدة من نوعها بالنسبة لهنّ".
كان من المقرر أن يفتح باب التطوع لصبايا ونساء طرابلس، قبل الانتفاضة لكن الحراك سرّع الأمور وجعل انضمام العنصر النسائي أمراً تلقائياً للمجموعة. وهكذا، كان لطرابلس منذ عام 2015 حرّاسها وأصبح لها، بعد انطلاق الانتفاضة، حرّاسها وحارساتها أيضاً.