بعيداً عن الحفلات الغنائية الباهظة التي قد يصل سعر تذكرتها الواحدة إلى ألف دولار أميركي في الفنادق والمطاعم والنوادي الليلية المعروفة، يحتفل لبنانيون آخرون احتفالات بسيطة بليلة رأس السنة الميلادية.
المنزل لازمة الاحتفال لدى كثيرين. وليس الحديث هنا عن أولئك الذين لا يخطر الاحتفال لهم على بال، وإذا شاركوا فيه، كحال الحاجة أم محمود، فلا يتعدى مشاهدة توقعات أبراجهم وما يخفيه طالعهم للسنة الجديدة. وليس الحديث عمّن كان يحتفل واعتزل، ومن هؤلاء جميل أبيض (68 عاماً)، الذي كان قبل تقاعده يخرج وحده ليلة رأس السنة، فيمضيها حتى الصباح برفقة عدد من أصحابه في شرب الكحول في حانة صغيرة. أما اليوم في منزله في أحد الأحياء الداخلية لبيروت، حيث لم يعد هناك غيره وزوجته، فما زال يلازمه طقس الشرب، لكن من دون سهر: "أشرب نصف ليتر من الويسكي عند السابعة مساء، وأنام حتى ظهيرة اليوم التالي".
وهناك أيضاً محمد فتوني (38 عاماً)، الذي يقول ساخراً إنّه يمضي ليلة رأس السنة على الطريق بين منزله في الضاحية الجنوبية لبيروت ومنزل الأهل في قريته الجنوبية بافليه (100 كلم عن العاصمة). يوصل زوجته وأطفاله إليها ويعود إلى بقالته الصغيرة التي يفتحها في اليوم الأول من العام لقضاء حوائج السكان.
الحديث بالتحديد هو عمّن يحتفلون بالفعل في المنزل. المشهد هناك كما يحدّث "العربي الجديد" عنه طالب الدراسات العليا ربيع حرب (29 عاماً)، تمثله غرفة جلوس أو صالون في شقة أو منزل الجد والجدة، يجتمع فيها عدد كبير من الأبناء والبنات والكنائن والأصهار ومعهم أطفالهم الكثيرون.
صوت التلفزيون مرتفع جداً طوال الوقت ومثبت على إحدى القنوات المحلية ذات برامج الربح التفاعلية. وقد يحاول أحد الساهرين أو أكثر المشاركة في تلك البرامج لنيل نصيب ما من جوائزها العديدة فيمضي السهرة بأكملها يحاول الاتصال، ولا يفلح غالباً.
اقــرأ أيضاً
يتولى البعض، خصوصاً النساء، إعداد السلطات من تبولة وفتوش، والمتبلات، والمقالي، بينما يتولى الرجال تأمين المعجنات من الفرن، وشي اللحم والدجاج. وتأكل العائلة مرة واحدة مجتمعة بالكامل على الطاولة الكبيرة، فيحشر الكبار أنفسهم إلى جانب بعضهم البعض. وعلى طاولة أخرى أوطأ منها يجلس الصغار كيفما اتفق، إلّا إذا كان من بينهم مزعج أو مدلل غير منضبط يرفض التقسيم العمري، فيمضي العشاء في حضن أمه، يأكل وحده ولا يسمح لها بتناول أكثر من صحن تبولة وسيخ مشاوي أو سيخين. ربما يسعد والده بذلك فهو لا يريدها أن "تمتلئ" أكثر، رغم أنّ الوالد بالذات يكاد يصل إلى سيخه العشرين.
المشاوي تستمر وقتاً طويلاً للسماح لأحدهم بالأكل مجدداً ولو فردياً هذه المرة. كذلك، تحلّ القهوة ضيفة متكررة فوق الجمر، قبل أن يحين موعد الكستناء والبطاطا الحلوة. ولا تخلو سهرة واحدة من قالب الحلوى، بالإضافة إلى الحلويات العربية العديدة و"المخلوطة" (تشكيلة من الفول السوداني والفستق والبندق والكاجو وغيرها) والمشروبات التي تختلف بين العادي والكحولي بتباين خلفية العائلة. وغالباً ما يتقاسم الجميع التكاليف، أو يجلب كلّ واحد منهم صنفاً ما.
هناك مشهد احتفالي آخر يتحدث عنه أنطوان مخايل، من إحدى القرى الصغيرة في قضاء صيدا (جنوب). يقول لـ"العربي الجديد": "يتناسى كلّ أهل القرية خلافاتهم السابقة ويجتمعون في المطعم الوحيد فيها. الجوّ مختلف هنا عن مطاعم المدن والازدحام فيها والكلفة المرتفعة". تستمر السهرة هناك حتى صباح اليوم التالي بنشاطات فنية لمغنين وعازفين وحكواتية (رواة قصص شعبية)، وشعراء زجل (شعر شعبي)، من القرية نفسها، بالإضافة إلى لاعب "دي جي". والمميز أكثر، بحسب مخايل، هو "إمكانية تنقل أي شخص خلال السهرة بين مختلف الطاولات، فيكون بذلك زار جميع أهل القرية في ليلة واحدة، ليبدأ الجميع عامهم الجديد بصفحة بيضاء".
كذلك، لا يغفل البعض عن عادات فردية يدأب عليها كلّ رأس سنة. من ذلك مشاركة كثيرين في السحب الوطني على الجائزة الكبرى. ومنه أيضاً وقفة العسكري في الجيش اللبناني عماد (اسم مستعار) على سطح ثكنته قرب العاصمة قبل منتصف الليل بقليل من أجل تأمل السماء وهي تشتعل بالمفرقعات والرصاص: "وأحياناً بالقنابل المضيئة". ومن هذه العادات، اصطحاب غوى صحناً زجاجياً أو كوباً من منزلها، إلى مزار سيدة حريصا (تمثال ضخم للسيدة العذراء في بلدة حريصا، 26 كلم إلى الشمال من بيروت)، كي تكسره هناك بعد انتهاء السهرة فجراً، بهدف "التخلص من أحداث العام الفائت الأليمة، وتفاؤلاً بعام جديد أفضل".
اقــرأ أيضاً
المنزل لازمة الاحتفال لدى كثيرين. وليس الحديث هنا عن أولئك الذين لا يخطر الاحتفال لهم على بال، وإذا شاركوا فيه، كحال الحاجة أم محمود، فلا يتعدى مشاهدة توقعات أبراجهم وما يخفيه طالعهم للسنة الجديدة. وليس الحديث عمّن كان يحتفل واعتزل، ومن هؤلاء جميل أبيض (68 عاماً)، الذي كان قبل تقاعده يخرج وحده ليلة رأس السنة، فيمضيها حتى الصباح برفقة عدد من أصحابه في شرب الكحول في حانة صغيرة. أما اليوم في منزله في أحد الأحياء الداخلية لبيروت، حيث لم يعد هناك غيره وزوجته، فما زال يلازمه طقس الشرب، لكن من دون سهر: "أشرب نصف ليتر من الويسكي عند السابعة مساء، وأنام حتى ظهيرة اليوم التالي".
وهناك أيضاً محمد فتوني (38 عاماً)، الذي يقول ساخراً إنّه يمضي ليلة رأس السنة على الطريق بين منزله في الضاحية الجنوبية لبيروت ومنزل الأهل في قريته الجنوبية بافليه (100 كلم عن العاصمة). يوصل زوجته وأطفاله إليها ويعود إلى بقالته الصغيرة التي يفتحها في اليوم الأول من العام لقضاء حوائج السكان.
الحديث بالتحديد هو عمّن يحتفلون بالفعل في المنزل. المشهد هناك كما يحدّث "العربي الجديد" عنه طالب الدراسات العليا ربيع حرب (29 عاماً)، تمثله غرفة جلوس أو صالون في شقة أو منزل الجد والجدة، يجتمع فيها عدد كبير من الأبناء والبنات والكنائن والأصهار ومعهم أطفالهم الكثيرون.
صوت التلفزيون مرتفع جداً طوال الوقت ومثبت على إحدى القنوات المحلية ذات برامج الربح التفاعلية. وقد يحاول أحد الساهرين أو أكثر المشاركة في تلك البرامج لنيل نصيب ما من جوائزها العديدة فيمضي السهرة بأكملها يحاول الاتصال، ولا يفلح غالباً.
يتولى البعض، خصوصاً النساء، إعداد السلطات من تبولة وفتوش، والمتبلات، والمقالي، بينما يتولى الرجال تأمين المعجنات من الفرن، وشي اللحم والدجاج. وتأكل العائلة مرة واحدة مجتمعة بالكامل على الطاولة الكبيرة، فيحشر الكبار أنفسهم إلى جانب بعضهم البعض. وعلى طاولة أخرى أوطأ منها يجلس الصغار كيفما اتفق، إلّا إذا كان من بينهم مزعج أو مدلل غير منضبط يرفض التقسيم العمري، فيمضي العشاء في حضن أمه، يأكل وحده ولا يسمح لها بتناول أكثر من صحن تبولة وسيخ مشاوي أو سيخين. ربما يسعد والده بذلك فهو لا يريدها أن "تمتلئ" أكثر، رغم أنّ الوالد بالذات يكاد يصل إلى سيخه العشرين.
المشاوي تستمر وقتاً طويلاً للسماح لأحدهم بالأكل مجدداً ولو فردياً هذه المرة. كذلك، تحلّ القهوة ضيفة متكررة فوق الجمر، قبل أن يحين موعد الكستناء والبطاطا الحلوة. ولا تخلو سهرة واحدة من قالب الحلوى، بالإضافة إلى الحلويات العربية العديدة و"المخلوطة" (تشكيلة من الفول السوداني والفستق والبندق والكاجو وغيرها) والمشروبات التي تختلف بين العادي والكحولي بتباين خلفية العائلة. وغالباً ما يتقاسم الجميع التكاليف، أو يجلب كلّ واحد منهم صنفاً ما.
هناك مشهد احتفالي آخر يتحدث عنه أنطوان مخايل، من إحدى القرى الصغيرة في قضاء صيدا (جنوب). يقول لـ"العربي الجديد": "يتناسى كلّ أهل القرية خلافاتهم السابقة ويجتمعون في المطعم الوحيد فيها. الجوّ مختلف هنا عن مطاعم المدن والازدحام فيها والكلفة المرتفعة". تستمر السهرة هناك حتى صباح اليوم التالي بنشاطات فنية لمغنين وعازفين وحكواتية (رواة قصص شعبية)، وشعراء زجل (شعر شعبي)، من القرية نفسها، بالإضافة إلى لاعب "دي جي". والمميز أكثر، بحسب مخايل، هو "إمكانية تنقل أي شخص خلال السهرة بين مختلف الطاولات، فيكون بذلك زار جميع أهل القرية في ليلة واحدة، ليبدأ الجميع عامهم الجديد بصفحة بيضاء".
كذلك، لا يغفل البعض عن عادات فردية يدأب عليها كلّ رأس سنة. من ذلك مشاركة كثيرين في السحب الوطني على الجائزة الكبرى. ومنه أيضاً وقفة العسكري في الجيش اللبناني عماد (اسم مستعار) على سطح ثكنته قرب العاصمة قبل منتصف الليل بقليل من أجل تأمل السماء وهي تشتعل بالمفرقعات والرصاص: "وأحياناً بالقنابل المضيئة". ومن هذه العادات، اصطحاب غوى صحناً زجاجياً أو كوباً من منزلها، إلى مزار سيدة حريصا (تمثال ضخم للسيدة العذراء في بلدة حريصا، 26 كلم إلى الشمال من بيروت)، كي تكسره هناك بعد انتهاء السهرة فجراً، بهدف "التخلص من أحداث العام الفائت الأليمة، وتفاؤلاً بعام جديد أفضل".