لا يجدُ الفارون من جحيم الفقر والعوز في العراق، ملاذاً لحماية أجسادهم من شمس الصيف وصقيع الشتاء، سوى بعض الأبنية القديمة المهملة أو معسكرات الجيش السابق وغيرها. يبني هؤلاء جدراناً من صفيح لمجابهة قساوة الحياة. وعادةً ما يلجأ الفقراء الذين لا يملكون أي مأوى إلى السكن في العشوائيات.
في السياق، يقولُ المهندس المدني وسام الراوي، لـ"العربي الجديد"، إن "ظاهرة العشوائيات تفاقمت بشكل كبير بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وزادت في ظلّ تفشي الفساد المالي والإداري في دوائر ومؤسسات الدولة، بالإضافة إلى الاقتتال الطائفي، ما أدى إلى تهجير عائلات كثيرة من منازلها لأسباب مختلفة، منها طائفية، حتى أصبحوا من دون مأوى".
يضيف الراوي أن "الحروب والطائفية والفقر والفساد المالي والإداري جميعها عوامل ساهمت في زيادة العشوائيات، وخصوصاً في العاصمة بغداد وحزامها". ويوضح أن "هذه مشكلة على المدى البعيد، تسبب التشويه الكبير في التخطيط العمراني للعاصمة وضواحيها، والتعدّي على أراضي حكومية واسعة بطريقة غير قانونية. في المقابل، لم تساهم المجمّعات السكنية التي أنجزتها وزارة الإعمار والإسكان في عدد من المحافظات في حل أزمة السكن كونها محدودة، وعادة ما تذهب لصالح المتنفذين والأحزاب الحاكمة. أما الفقراء، فلا يتغيّر عليهم أي شيء".
وتُشير الإحصائيات إلى أن أكثر من ثلاثة ملايين عراقي يعانون من أزمة سكن، فضلاً عن الفقر المستشري في البلاد بشكل كبير، ما أدى إلى نشوء أكثر من 300 منطقة عشوائية في العاصمة وضواحيها فقط. أيضاً، تنتشر العشوائيات في محافظات أخرى، ويطلق البعض عليها اسم "الحواسم". وتجدر الإشارة إلى أن بعض المساحات في الحواسم تُباع للمحتاجين والفقراء من خلال سماسرة.
في السياق، يتحدّث الباحث الاجتماعي علي الياسري، لـ"العربي الجديد"، عن خطورة العشوائيات، موضحاً أن "الحواسم كما يُسمّيها البعض، نشأت بسب الفقر والعوز. فلا يجد الفقراء أمامهم سوى الأبنية الحكومية القديمة ومعسكرات الجيش السابق وبعض المساحات الفارغة ليبنوا فيها منازل صغيرة من الصفيح وغيرها، علماً أنها غير نظامية، ما سيؤدي إلى مشاكل اجتماعية على المدى البعيد، وانتشار الأمراض والجرائم وغيرها".
يُضيف أن "سكان العشوائيات يشعرون دائماً بالغبن والقهر والذلّ وسط إهمال حكومي واضح. ولم تتمكّن الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال من تأمين مجمّعات سكنية للفقراء. أما تلك التي أنشأت، فقد استولى عليها الأغنياء أو الحزبيّون".
يُتابع الياسري أن خطورة العشوائيات تكمن في "نشوء جيل جديد وسط الفقر والعوز والجهل والمرض، ما قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية ونفسية على المدى البعيد". من جهة أخرى، تحولت بعض هذه العشوائيات إلى "مأوى للمجرمين".
بدوره، يقول المهندس مزهر أحمد العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "مشاكل العشوائيات تكاد تكون معقدة". يُضيف أن "عائلات كثيرة تسكنُ العشوائيات. لكن بسبب إهمال الدولة لهم، يجدون أنفسهم مضطرين إلى التعدي على شبكات المياه والكهرباء، والنتيجة هي تشويه المدن".
يضيف أنه "يجب على الدولة توفير سكن ملائم لهؤلاء الفقراء. فالمشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم"، لافتاً إلى أن بعض العائلات تعمل على تقسيم البيوت لتتسع لأكثر من عائلة، فتستفيد من بدلات الإيجار أو توفر مسكناً لأولادها خوفاً عليهم من السكن في مناطق أخرى في ظل التوتّر الأمني. هنا تبدأ رحلة طويلة ومعقدة من نشوء العشوائيات داخل المدن وليس فقط في الأطراف".
ويرى العبيدي أنه "لولا الفساد الإداري والمالي في مؤسّسات الدولة، لكان يمكن القضاء على هذه العشوائيات إلى الأبد. غير أن ما بني من مجمعات سكنية وزّع على مناصري الأحزاب الحاكمة والمتنفذين في الدولة، فيما ترك الفقراء ليواجهون مصيراً مجهولاً. وأحياناً، تزيل جهات حكومية هذه العشوائيات بحجة التعدي على ممتلكات الدولة".
من جهته، يوضح المهندس المعماري، عامر صيهود، أن "العراق بحاجة إلى أكثر من أربعة ملايين وحدة سكنية بشكل عام، وأكثر من مليون وخمسمئة ألف وحدة سكنية في العاصمة بغداد فقط، لحل أزمة السكن. وكانت هيئة الاستثمار قد أعدّت خططاً لإنشاء مشاريع سكنية في العاصمة بغداد لحل هذه المشكلة، من دون تنفيذ أي منها بسبب الفساد الإداري والمالي". ويشير إلى أنه "يمكن العمل على الحد من أزمة السكن، لكننا نعاني بسبب تفشي الفساد".
وتنتشرُ العشوائيات بشكل خاص في مدينة الصدر ومعسكر الرشيد سابقاً ومدينة أبو دشير وغيرها. ويقول ماضي حسن (46 عاماً)، الذي يسكن وعائلته في منزل صغير من الصفيح مساحته لا تتجاوز الخمسين متراً مربعاً في أطراف العاصمة بغداد: "أعمل في مجال البناء ولا أملك المال لشراء أو استئجار منزل، فلجأت إلى أحد التجمعات السكنية العشوائية في أطراف بغداد حتى لا يتشرد أطفالي. حالي حال الآلاف".
فيما يقول مصطفى حازم (37 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، إن "مصير سكان العشوائيات مجهول. نحن محاصرون بين الجهات الحكومية وتهديداتها المستمرة بإزالة عشوائياتنا بين الحين والآخر بحجة التعديات غير القانونية، وبين الفقر وعدم تمكننا من استئجار منازل لعائلاتنا، فيما تذهب المجمعات السكنية القليلة التي بنيت هنا أو هناك لبعض المتنفذين وأقارب المسؤولين في الدولة".
ويرى خبراء ومهندسون متخصّصون أن مشكلة العشوائيات لا يمكن حلّها على مدى السنوات العشر المقبلة بسهولة، إذا لم تتوقف الحروب في البلد، بالإضافة إلى مكافحة الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة، فضلاً عن ضرورة إعطاء فرص استثمارية كبيرة لشركات أجنبية لبناء مجمعات سكنية في مختلف المحافظات العراقية. لكن يبدو أن الأمر صعب للغاية في الوقت الحالي بسبب الحروب.