في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) شهدت أوروبا حالة ركود فني وسط فوضى الأفكار والأيديولوجيات التي سادت في تلك المرحلة، ما دفع الفنان الإسباني بابلو بيكاسو إلى الذهاب نحو السيراميك عام 1946 في مغامرة جديدة لم يكن يعرف عنها شيئاً.
سبب آخر دفع صاحب "غارنيكا" إلى تجربة مختلفةً بعدما شعر أن جمهوره بات يتعامل مع أعماله وفق انطباعات ثابتة، فقرّر التوجه إلى مدينة فالوري جنوب فرنسا للبحث عن وسيط فني يحتمل تجريبه وهو في السابعة والستين من عمره آنذاك.
"خزفيات بيكاسو" عنوان المعرض الذي افتتح في "متحف لويزيانا للفن المعاصر" في كوبنهاغن بداية الشهر الجاري، ويتواصل حتى السابع والعشرين من أيار/ مايو المقبل حيث تمّت استعارة الأعمال المعروضة من المتحفين اللذين يحملان اسم الفنان في باريس وبرشلونة، إلى جانب قطع قدّمتها عائلته.
أكثر من 160 عملاً تم انتخابها من أصل 4000 قطعة أعاد من خلالها صاحب "امرأة جالسة" إنتاج لوحاته ومنحوتاته وشخصيات نسائية وأطباق مزخرفة ومناظر من الطبيعة ورسومات تمثل شرائح البيض والسمك وأدوات الزجاج وطائراً بمنقار مفتوح وحمامة وماعز وعنقاء وحيوانات خرافية أيضاً.
بعد مرور عام قام بيكاسو بدراسة حول تصميم الأواني الخزفية، وبدأ يتعمقّ في فهم كيمياء الخزف وتشكيلاته وقد كان يصمّم بنفسه النموذج ويترك لحرفيّ يدعى مادورا تنفيذه، في سعي منه لتجاوز آليات وطرق التلوين التقليدية في استعارات وتوليفات من فنون أخرى.
استحوذت على اهتمامه تلك الرموز والنقوش التي كان يستخدمها الخزّافون في تلك المنطقة المطّلة على المتوسط، إذ لاحظ مدى التداخل بين ثقافاته؛ أندلسية ويونانية وإيطالية وأفريقية لذلك استمر في تصنيع السيراميك حتى قبيل وفاته بنحو عامين، وكان يغلب عليها التشخيص من خلال توظيف الأسطورة ورؤيته للفن والوجود الإنساني.
يجمع بيكاسو بين تقنيات الرسم والنحت في مزج الألوان وإبراز تدرّجاتها، ما تظهره رؤوس الماعز التي ترمز لآلهة رومانية، ومشاهد مصارعة الثيران التي خصّص لها الكثير من الخزفيات تضمّنت العديد من المشهديات المتعلّقة بها، متعمداً إخفاء ملامح المصارع وتكثيف العنف ووحشية الدم، حيث يصبح الثور مركزاً للعمل بهوية واضحة تعكس تعبيراته وأحاسيسه.