على غير ما مهّدت له جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في خطابها الإعلامي وعملها التعبوي، خلال الأسابيع الماضية، من التلويح بخطوات تصعيدية غير مسبوقة، ظهر زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، بنبرة أقل حدة، مساء أول من أمس، اعترف فيها بالهزيمة في عدن وحاول التقليل من أهميتها، غير أنه مهّد بحذر للإعلان عن قبول الحل السياسي والتراجع خطوات إلى الوراء.
أما قرار تعويم أسعار المشتقات النفطية، الذي اتخذته جماعته، فتجاهله الحوثي على الرغم من أنّ "الجرعة" أي زيادة حكومة محمد سالم باسندوة لأسعار المشتقات النفطية، قبل أشهر، كانت وقوداً لخطاباته على مدى أسابيع وذريعة اتخذتها جماعته لاجتياح العاصمة وانقلابها على الشرعية.
وكانت الجماعة تحشد في المناطق القبلية وتقيم مهرجانات، خلال الأسابيع الماضية، تأييداً لما تصفه بـ"الخيارات الاستراتيجية" التي سيعلن عنها زعيم الجماعة. وكان التلويح يتركز على أنها "خيارات عسكرية" ستؤدي إلى قلب الموازين، ليأتي خطاب الحوثي خلافاً لما كان متوقعاً بعد ذلك الحشد، إذ خصص زعيم الحوثيين خطابه للاعتراف بالهزيمة في عدن وتقديم المبررات التي قادت إليها والتقليل من شأنها.
اقرأ أيضاً: الانقلاب يترنّح في اليمن والمقاومة تعزّز صفوفها
وعلى الرغم من عدم إعلان الانسحاب، إلا أن سياق الخطاب لم يحمل تهديدات بالسعي لاستعادة عدن، وألمح إلى أنه يمكن تعويض "الخسارة المحدودة" هناك بأهم منها، على ما بدا أنه تبرير أمام أتباعه للهزيمة وبأن الجماعة لن تسعى إلى استعادة المدينة. وانصرف الحوثي في خطابه إلى الوعظ الديني واعتبار ما جرى "درساً"، فضلاً عن إلقاء جزء من اللوم على أتباعه، باعتبار أن "التساهل" كان جزءاً من أسباب ما حدث هناك.
من جهة ثانية، تراجع الحوثي إلى حد كبير، عما كان وعد به من "خيارات استراتيجية" ستقلب الطاولة. وعوضاً عن أن يكشف في خطاباته طبيعة هذه الخيارات، كما تم الإعلان قبل بث الخطاب، ذكرها مرات محدودة، كما لو أن ذكرها أتى في سياق "المجاملة" أمام أتباعه. كذلك، فإن التراجع في نبرة "التهديد" كان ملموساً، ليس في ما يخص الداخل فقط، بل في ما يتعلق، أيضاً، بالمناطق الحدودية، التي كانت الجماعة تلوّح بالتصعيد فيها.
وبالمقارنة مع ما هو مطلوب من الجماعة من إنهاء تمردها، فقد كان التراجع محدوداً، إذ أكد الحوثي أهمية "تعزيز الجبهات الداخلية لمواجهة العدوان"، أي أنه سوف يستمر في المواجهات مع "المقاومة". ويفسر تأكيده هنا بأكثر من احتمال، فهو من حيث السياق، يتوقع إذا كان الهدف منه التمسك بالجبهات ليكون الانسحاب ضمن اتفاق سياسي وليس تراجعاً دفعة واحدة، قد يؤدي إلى انهيار معنويات أتباعه. ومن جانب آخر، فإن الموقف يؤشر إلى استمرار الجماعة في حروبها الداخلية، وإنها لم تصل بعد إلى قرار الاستسلام، الأمر الذي قد تطول معه الأزمة.
مقدمات منطقية
"خطاب الهزيمة"، كما وصفه بعض المعلقين، يرجع إلى أسباب منطقية عدة، وأبرزها، بل السبب الرئيسي فيها، الخسائر التي تكبدتها الجماعة والهزائم الميدانية وصولاً إلى الخلافات التي كانت قد ظهرت في صفوفها وانعكست بعجزها عن اتخاذ قرارات ذات جدوى تخرجها من المأزق. وهو الأمر الذي كان من الطبيعي معه التراجع إلى الوراء أو انتظار الانهيار نتيجة الأمر الواقع. ومع ذلك، فإن التوجه وإن كان طبيعياً وإجبارياً، إلا أنه خطوة متقدمة لجماعة لطالما دخلت مغامرات غير محسوبة، دفعت نتيجتها في طريقها بالآلاف من مناصريها وأدخلت البلاد حروباً تلو حروب.
وبالنظر إلى النتيجة، يظهر التهديد بـ"الخيارات الاستراتيجية" وحشد مقاتلين في بعض المناطق القبلية، كما لو أنه واجه فشلاً أو أنه كان تمهيداً لإعلان التراجع إلى الوراء، بحيث يخفف من وطأة انطباع الهزيمة، بالقول، إن التراجع لم يكن من موقع الضعيف، بل إن لديه خيارات مزعومة لم يتخذها.
وكان الخطاب تزامن مع تجدد الجهود السياسية والتسريبات التي تتحدث عن تحقيق تقدم في المفاوضات التي استضافتها العاصمة المصرية القاهرة بين ممثلين عن حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يترأسه الرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، ودبلوماسيين من دول غربية ومن الإمارات. وتعززت المشاورات السياسية بتحركات المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي بدأ جولته من الرياض ثم انتقل إلى القاهرة والتقى مسؤولين مصريين، وكذلك بقيادات من حزب المؤتمر، قبل أن ينتقل إلى أبوظبي ويلتقي قادتها، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير يوم السبت الماضي.
وفيما لم تتضح، حتى اليوم، ملامح التسوية المطروحة في النقاشات، أفاد مسؤول في حزب المؤتمر الشعبي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد" أن هناك تقدماً في المفاوضات قد يعلن عنه في الفترة المقبلة، من دون ذكر تفاصيل.
وعزز خطاب الحوثي من احتمال وجود تقدم في المفاوضات، إذ أعلن في ختام خطابه، أن الحلول السياسية متاحة وأن جماعته ترحب بأي جهد سياسي من أي جهة عربية "محايدة" أو دولية.
وعلى الرغم من المعطيات الأخيرة ونبرة التراجع في خطاب الحوثيين، لا تزال مؤشرات الحل السياسي محدودة، ما لم يتبعها المزيد من الخطوات من الحوثيين بالتراجع إلى الوراء، الأمر الذي من المتوقع أن تتضح ملامحه خلال الفترة المقبلة.
اقرأ أيضاً مستشارو هادي: إشراك محدود للحراك الجنوبي وترتيب دور المؤتمر