"خيار هاملت": شكسبير حين فكّر في الجمهورية

27 يوليو 2020
"عطيل"، إخراج ريتشارد تيمان، مسرح لندن 2017
+ الخط -

هناك طرق عديدة للتعامل مع مسرحيات شكسبير؛ يمكن للمرء أن يدرس عبقريته كشاعر، أو أن يحلّل براعته ككاتب مسرحي: قدرته على صياغة مؤامرات مقنعة وإنشاء شخصيات معقدة واستكشاف أعماقهم النفسية.

ويمكن أن يستكشف تأملاته في مسائل مثل الحب والزواج والصداقة والأسرة والشيخوخة والموت، ويمكن أيضاً الوقوف على موضوع السياسة والثورة في أعمال شكسبير، وكذلك سلطة الدين، حيث شغله الموضوع السياسي، كمسألة يمكن من خلالها فهم تعقيدات الفرد والمجتمع.

تتجلى الأهمية السياسة لشكسبير ببساطة في اختياره لموضوعات مسرحياته. ومن خلال التعامل مع مجموعة متنوّعة من الملوك الإنكليز، يثير سلسلة كاملة من القضايا السياسية؛ الحرب مقابل السلام، ودور الدين في السياسة، والأمراء الشرعيين مقابل الأمراء غير الشرعيين؛ وتخلص كلّ هذه الأسئلة إلى واحد: ما الذي يتطلبه الأمر ليكون الملك عادلاً وأين يخطئ غالبية الملوك؟

غلاف الكتاب

من بين الأعمال التراجيدية لشكسبير "أربعة في روما القديمة"، وتتناول موضوع الفرق بين الجمهورية والملكية. وفي "هاملت"، و"الملك لير"، و"ماكبث" استكشف طبيعة الملكية وقضايا مثل الخلافة المشروعة والتهديد بالاغتصاب والاستبداد. بينما تظهر "عطيل" اهتمام شكسبير بجمهورية حديثة وكيف تختلف مبادئها السياسية عن الملكية. حتى "روميو وجولييت"، والتي، مع تركيزها على الحب، تركّز على عائلتين نبيلتين في عصر النهضة.

لا تتعامل مسرحيات شكسبير الرومانية مع روما القديمة حقًا ولكنها تستخدمها كمجاز عن إنكلترا عصره، فاستدعاء الرومان هو تمثيل للإنكليز الإليزابيثيين. وأحداث كوريولانوس تحاكي احتجاجات ميدلاندز عام 1607.

في السنوات الأخيرة، أصبح الأكاديميون يتعاملون بشكل متزايد مع شكسبير كمفكر سياسي وهناك دراسات عقدت مقارنات بينه وبين أفلاطون، ومكيافيلي، وهوبز وحتى نيتشه، وغيرهم من العقول التي تأملت حال الإنسان حين يرتبط بالسياسة.

من الصعب أن تكون قديسًا مسيحيًا في روما الوثنية

وفي هذا السياق، يأتي كتاب "خيار هاملت:  الدين والمقاومة في تراجيديا الانتقام لشكسبير" لأستاذ التاريخ بيتر ليك والصادر مؤخراً عن "منشورات جامعة يال". في الكتاب تقصٍِ لتوترات أنكلترا وأجواء المناخ السياسي فيها، من خلال مسرحياته التراجيدية، حيث أن كوميديا شكسبير أقل سياسية وأكثر تركيزًا على الحياة الاجتماعية، وخاصة مواضيع مثل الحب والمعركة الأبدية بين الجنسين.

لدى شكسبير 17 مسرحية سياسية، وتظهر فيها شخصيات هنري الخامس، وكوريولانوس، يوليوس قيصر، وأنطوني وكليوباترا، ومن أكثر الجوانب البارزة في مسرحياته الطريقة التي تتنوع بها في كل زمان ومكان، من جمهورية رومانية قديمة في كوريولانوس إلى جمهورية حديثة في تاجر البندقية وعطيل، مع جميع أنواع الممالك بينهما. 

يبدو أن شكسبير كان مهتمًا على وجه التحديد بتنوع الأنظمة، ونظرًا لكونه إنكليزي فقد كرس قدرًا كبيرًا من الجهد لفهم الملكية كشكل من أشكال الحكم. ومع ذلك، لم يقتصر تفكيره على الملكية، ويبدو أنه بدأ التفكير بجدية في البدائل الجمهورية للملكية. 

تناول شكسبير في مسرحياته مفهوم النظام كما طوره أفلاطون وأرسطو

ربما كان شكسبير يأمل في نهاية المطاف في تقديم نموذج لكيفية دمج العناصر الجمهورية في الملكية، بالاعتماد على الفكرة الكلاسيكية للنظام المختلط. وفي هذا السياق تأتي مسرحياته حول هنري الخامس التي تؤيد فكرة الملك الذي يتعرف على شعبه.

تناول شكسبير في مسرحياته مفهوم النظام كما طوره أفلاطون وأرسطو؛ معتبراً أن الأشكال المختلفة للتنظيم السياسي تشجع أشكالًا مختلفة من تطور البشرية، وفهم أيضاً أن ليست كل الإمكانيات متاحة على قدم المساواة في ظل كل نظام. وهذا ما نقرأه على لسان هاملت "من الصعب أن تكون قديسًا مسيحيًا في روما الوثنية". 

في كتاب "خيار هاملت" يربط بيتر ليك المسرحيات بسياقاتها السياسية والجدلية الأوسع ، ويسلط الضوء على طبيعة الانتقام والمقاومة والدين في إنكلترا بعد الإصلاح.

 

المساهمون