09 نوفمبر 2024
"داعش".. دولة سقطت
أن تسقط راية "داعش" في الموصل، حسبما أعلنت الحكومة العراقية في 29 يونيو/ حزيران الماضي، ليس أمراً سهلاً، بعد معركة تحرير للمدينة، كبّدت خسائر فادحة بين المدنيين والمقاتلين. صحيحٌ أن التنظيم لم ينتهِ بشكل كامل في العراق، ومن المفترض، وفقاً لكل قواعد الحروب، أن يتحوّل إلى حرب عصاباتٍ في بلاد الرافدين، يضمحلّ تأثيرها مع الوقت، لكن التنظيم بدأ مسيرةً تراجعيةً ستؤدي إلى تحوّله إلى شيء من الماضي. الأكيد أن "داعش" بات من دون مقرّ حقيقي لـ"دولة الخلافة" المزعومة في العراق، وسينعكس ذلك على معقله السوري في مدينة الرقة، والذي سيتسارع انهياره بشكل كبير، مع توالي الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي من جهة، ولمواصلة زحف القوات المهاجمة من جهة أخرى.
ليس سهلاً أن تسقط "دولة" سيطرت على مساحاتٍ شاسعة من العراق وسورية، أكثر من عامين ونيّف، قبل بدء تراجعها، في شرق أوسطٍ اعتاد على تغييراتٍ عنيفة تاريخياً، لكن المرحلة المقبلة تبقى غير واضحة. أي مرحلة ما بعد "داعش". مع ذلك، باشرت أطرافٌ عدة العمل، حتى قبل اتضاح مدى قوى "داعش" في صيف 2014، ففي يونيو/ حزيران من العام عينه، كان الأميركيون يدشّنون تحالفاً دولياً، بغية كسر "داعش" ومنعه من السيطرة على بغداد وقرع أبواب دمشق. كان، ولا يزال، تحالفاً غريباً، ضمّ قوىً متناحرة ومتخاصمة في خندقٍ واحد ضد التنظيم. ما أوحى برسالة جلية: "القضاء على داعش أولاً، ثم الاشتباك الداخلي ثانياً". وهو ما لاحت تباشيره مع اشتباكات "قوات سورية الديمقراطية" وقوات النظام السوري قبل فترة على خلفية السيطرة على مناطق في الشمال السوري. تلك الاشتباكات، وإنْ خفتت حالياً، بسبب معركة الرّقة، إلا أن من المرجّح أن تندلع مجدّداً بعد انتهاء المعركة، لغياب أي اتفاقٍ بين الطرفين المتخاصمين. وفي غياب الاتفاقيات، فرص التصادم أكبر من فرص المحافظة على الوضع القائم. وما ينطبق على الرّقة ينطبق على الجنوب السوري الذي تحوّلت معاركه الأخيرة إلى نوعٍ من معارك تمركز جغرافية تهيئة لحرب مقبلة.
أيضاً في العراق، شرّع سقوط "داعش" في الموصل، الأبواب أمام مرحلةٍ مبنيةٍ أساساً على مدى التناغم من عدمه، بين إقليم كردستان وحكومة بغداد المركزية، ودور "الحشد الشعبي" فيه. مع تأكيد تحوّل الإقليم إلى نقطة جذب رافضة، محلية وإقليمية، لاستفتاء الانفصال، المقرّر إجراؤه في 25 سبتمبر/ أيلول المقبل.
في المقابل، يبقى دور القوات الأميركية والروسية والفرنسية والألمانية والبريطانية وغيرها، التي وجدت بنسبٍ مختلفة في العراق وسورية، غامضاً، في حال انتفاء المهمة التي قدموا على أساسها، وهي "محاربة داعش". الآن، من المؤكد أن تلك القوات لن تنسحب إلى بلادها، أقله ليس في الوقت الحالي، بل ستعمد إلى تركيز وجودها العسكري في سبيل "مراقبة الوضع". و"المراقبة" بالمفهوم العسكري هي ترسيخ وجود القواعد العسكرية فترة طويلة، مواكبة لتغييرات جديدة وجذرية في المحيط الجيوبوليتيكي لتلك القواعد. أي أن من شأن ضعف النظام في العراق، وعدم وضوح صورة المستقبل السياسي في سورية، أن يسمح بفترة طويلة من اللااستقرار، تتخطى مسألة "داعش" وغيره من التنظيمات، إلى حدّ السؤال عن إمكانية تحقيق تقسيمات جغرافية ـ إثنية ـ مذهبية، تستولد بلداناً جديدة معترفاً بها دولياً، على الرغم من رفض تركيا وإيران تلك الدويلات، كل منهما لأسبابها.
ويُمكن وفقاً لضبابية المرحلة المقبلة، أن تؤخر حسم معركة الرّقة أيضاً، بغية تبلور صورة ما، سياسية ـ عسكرية، لما بعد المعركة، يُمكن البناء عليها لاحقاً. فسقوط "داعش" يحفّز كثيرين على المشاركة في تقاسم السلطات عراقياً وسورياً. أما ما تبقى من التنظيم من صورة في العالم، فليس سوى زيارة للصحافي الألماني، يورغن تودنهوفر، مناطق سيطرة "داعش"، في عام 2014، وقوله "إنهم دولة"، لكنها سقطت.
ليس سهلاً أن تسقط "دولة" سيطرت على مساحاتٍ شاسعة من العراق وسورية، أكثر من عامين ونيّف، قبل بدء تراجعها، في شرق أوسطٍ اعتاد على تغييراتٍ عنيفة تاريخياً، لكن المرحلة المقبلة تبقى غير واضحة. أي مرحلة ما بعد "داعش". مع ذلك، باشرت أطرافٌ عدة العمل، حتى قبل اتضاح مدى قوى "داعش" في صيف 2014، ففي يونيو/ حزيران من العام عينه، كان الأميركيون يدشّنون تحالفاً دولياً، بغية كسر "داعش" ومنعه من السيطرة على بغداد وقرع أبواب دمشق. كان، ولا يزال، تحالفاً غريباً، ضمّ قوىً متناحرة ومتخاصمة في خندقٍ واحد ضد التنظيم. ما أوحى برسالة جلية: "القضاء على داعش أولاً، ثم الاشتباك الداخلي ثانياً". وهو ما لاحت تباشيره مع اشتباكات "قوات سورية الديمقراطية" وقوات النظام السوري قبل فترة على خلفية السيطرة على مناطق في الشمال السوري. تلك الاشتباكات، وإنْ خفتت حالياً، بسبب معركة الرّقة، إلا أن من المرجّح أن تندلع مجدّداً بعد انتهاء المعركة، لغياب أي اتفاقٍ بين الطرفين المتخاصمين. وفي غياب الاتفاقيات، فرص التصادم أكبر من فرص المحافظة على الوضع القائم. وما ينطبق على الرّقة ينطبق على الجنوب السوري الذي تحوّلت معاركه الأخيرة إلى نوعٍ من معارك تمركز جغرافية تهيئة لحرب مقبلة.
أيضاً في العراق، شرّع سقوط "داعش" في الموصل، الأبواب أمام مرحلةٍ مبنيةٍ أساساً على مدى التناغم من عدمه، بين إقليم كردستان وحكومة بغداد المركزية، ودور "الحشد الشعبي" فيه. مع تأكيد تحوّل الإقليم إلى نقطة جذب رافضة، محلية وإقليمية، لاستفتاء الانفصال، المقرّر إجراؤه في 25 سبتمبر/ أيلول المقبل.
في المقابل، يبقى دور القوات الأميركية والروسية والفرنسية والألمانية والبريطانية وغيرها، التي وجدت بنسبٍ مختلفة في العراق وسورية، غامضاً، في حال انتفاء المهمة التي قدموا على أساسها، وهي "محاربة داعش". الآن، من المؤكد أن تلك القوات لن تنسحب إلى بلادها، أقله ليس في الوقت الحالي، بل ستعمد إلى تركيز وجودها العسكري في سبيل "مراقبة الوضع". و"المراقبة" بالمفهوم العسكري هي ترسيخ وجود القواعد العسكرية فترة طويلة، مواكبة لتغييرات جديدة وجذرية في المحيط الجيوبوليتيكي لتلك القواعد. أي أن من شأن ضعف النظام في العراق، وعدم وضوح صورة المستقبل السياسي في سورية، أن يسمح بفترة طويلة من اللااستقرار، تتخطى مسألة "داعش" وغيره من التنظيمات، إلى حدّ السؤال عن إمكانية تحقيق تقسيمات جغرافية ـ إثنية ـ مذهبية، تستولد بلداناً جديدة معترفاً بها دولياً، على الرغم من رفض تركيا وإيران تلك الدويلات، كل منهما لأسبابها.
ويُمكن وفقاً لضبابية المرحلة المقبلة، أن تؤخر حسم معركة الرّقة أيضاً، بغية تبلور صورة ما، سياسية ـ عسكرية، لما بعد المعركة، يُمكن البناء عليها لاحقاً. فسقوط "داعش" يحفّز كثيرين على المشاركة في تقاسم السلطات عراقياً وسورياً. أما ما تبقى من التنظيم من صورة في العالم، فليس سوى زيارة للصحافي الألماني، يورغن تودنهوفر، مناطق سيطرة "داعش"، في عام 2014، وقوله "إنهم دولة"، لكنها سقطت.