يرى جان-لوي كومولي أن فكرة التغيّر المستمرّ هي أساس السينما، بما أنها مرتبطة بالحركة، وبالتالي بالحياة. من المستحيل إذن أن تستنسخ السينما الموت، بما أنه جامد، على خلاف جوهر الموت، وإلا فسيخرج الأمر عن حدود المعقول.
يرى كومولي أيضًا أن زمن السينما لا يمكن أن يكون هو زمن الخط المتسلسل زمنيًا. وهو ما نراه منذ بداية السينما، مثل فيلم الأخوين لوميير "هَدم جدار" (1896)، الذي يصوّر قابلية الزمن السينماتوغرافي للاعتكاس عن طريق لعبة آلية بالعودة للخلف. الحائط الذي هُدِم في البداية، يُمكن أن يعود كما كان بفضل سحر المونتاج.
السينما قادرة على إعادة الحياة، مما يعني أن الموت السينماتوغرافي ليس إلا تظاهرًا. ولكن فيديوهات "داعش" تعرض ما هو أكثر من الموت: إنها عملية تنفيذ القتل هي التي تُعرَض على الشاشة. ما تعرضه "داعش" وتؤكّده هو أنها تتمكّن من الموت، وتُجيده.
تَعرض فيديوهات "داعش" أفعال تضحية تُحيلنا إلى تراجيديا المسرح (نشأت التراجيديا الإغريقية كفِعل ديني مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتضحية) أكثر مما تُحيلنا إلى الصورة السينماتوغرافية. البحث عن رَبط ما يُقدَّم على أنه فِعل تضحية بالسينما، يعني عدم فِهم جوهر هذه الصور المقزّزة.
عرّفت السينما نفسها في البدايات بأنها احتفاء بالحياة عن طريق تحريك هذه "الصور الثابتة"، هذه الكادرات الجامدة في الزمن، وذلك سرّ الانبهار بالأخوين لوميير الذين خلقًا الحركة انطلاقًا من زمنِ متوقّف، يُدعى السينما. الفارق بين الفوتوغرافيا والسينما يتجلّى تمامًا في هذه العلاقة مع الزمن، كما يقول جان-لوي كومولي.
تأتي الفوتوغرافيا في لحظة منتهية تنعكس في (التأطير (framing- أمّا ما هو خارج نطاق الصورة فهو يحيل على شيء غير مرئي يظل لغزًا. ويختار المُشاهد مُدّة تأمله في الصورة. هناك مسافة وتباعُد بينه وبين الكادر المصوّر. إذا اختار ألا ينظُر، فإن مخيّلته ستستيقظ أمام الفراغ الموجود في ما خارج نطاق الصورة. وكما في بعض مناظر الرسّام نيكولا بوسان، فيمكنه أن يجول بنظره بحثًا عن نقطة ثابتة.
تعبيرًا عن الماضي وانبثاقًا منه، الصورة "دائمًا أرشيفية". إنها تعزلنا عن حضورها وتدعو المُشاهد إلى مخيّلته. هذه العلاقة مع الزمن تفسّر لنا الفارق بين الصورة والحركة السينماتوغرافية التي تواجه صعوبات أكثر بسبب أن تتابع الصور (في الفيلم) لا يسمح بـ "إظهار" ما هو خارج نطاق الصورة.
كلّما أظهرت أكثر، رأينا أقل، وضعفت ملكة المخيّلة عند المُشاهد. وعلى خلاف سينما مُخرج مثل الياباني ميزوغوتشي، التي لا تمزح مع الصور الصادمة، فإن هوليوود تدفن المُشاهد في هذا "الإظهار"، فتقضي على مخيّلته الإبداعية. وفقًا لكومولي، فإن أفلام "داعش" تحيل إلى هذا النوع الهوليوودي، بكُل مكوناته.
(النص الأصلي لـ: ماريز إميل
)