وللمرة الأولى منذ أحداث أكتوبر/تشرين الأول الماضي التي دخل فيها الجيش العراقي إلى كركوك ومدن ومناطق متنازع عليها، وتمكن من طرد البشمركة وفرض السلطة الاتحادية فيها. ثم عادت وزارة الدفاع معلنة عن تعاون وتنسيق بين الجيش والبشمركة و"الحشد الشعبي" لملاحقة فلول "داعش"، بالوقت الذي سُجّل فيه مقتل واختطاف أكثر من 40 جندياً وعنصراً بالحشد ومقاتلي العشائر خلال أقل من ثلاثة أسابيع في مناطق غرب العراق وشماله.
أمس الخميس، أعلن مركز الإعلام الأمني، الجهة الحكومية المخولة بإصدار بيانات تتعلق بالوضعين الأمني والعسكري في البلاد، عن بدء عملية عسكرية واسعة أطلقت عليها اسم "ثأر الشهداء"، في إشارة إلى مقتل 6 رهائن من كربلاء والأنبار، ينتمون لقوات الأمن بعد اختطافهم من قبل "داعش" قبل أسبوعين قرب كركوك.
وذكر بيان مركز الإعلام الأمني، أن "العملية بمشاركة الجيش والشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع والحشد الشعبي وشرطة ديالى وشرطة صلاح الدين وقوات البشمركة، وبإسناد من طيران التحالف الدولي بقيادة واشنطن وطيران الجيش العراقي". وأضاف البيان أن "العملية تهدف إلى تطهير المناطق بين ديالى وكركوك"، في إشارة إلى سلسلة جبال حمرين.
وهذه أول عملية مشتركة بين الجيش العراقي والبشمركة، منذ هجوم القوات العراقية على كركوك منتصف أكتوبر الماضي وانتزاع المدينة إلى جانب مدن أخرى من سيطرة البشمركة وفرض سيادة الدولة الاتحادية عليها.
وقال مسؤول عسكري عراقي في بغداد لـ "العربي الجديد"، إن "المئات من أفراد داعش بالشمال، وتحديداً في صلاح الدين وكركوك ونينوى، عاودوا نشاطهم وحالياً لا يسعون إلى احتلال مناطق كما في السابق، لكنهم يشنون هجمات عنيفة ويهربون". وأضاف أن "الهجمات عبارة عن قطع طرق ونصب كمائن ليلاً، تستهدف أفراد الأمن والجيش والعشائر والحشد وأبناء العشائر التي سجل تعاونها مع قوات الأمن".
ووفقاً للمسؤول نفسه فإن "هجمات داعش تعتبر عمليات استنزاف للقوات العراقية وكل من تعاون معها، ويمكن القول إنها ذات طابع هستيري، فعادة ما تكون هناك عمليات تعذيب للضحايا، قبل قتلهم وقطع الرؤوس يكون بشكل تنكيلي". وحول العملية الحالية كشف أنه "تمّ قتل ما لا يقل عن 22 إرهابياً خلال الساعات الماضية ونواصل التفتيش والبحث عن تجمعات التنظيم. ونعتقد أن هناك ما لا يقلّ عن 60 مخبأ لهم في المنطقة أغلبها تحت الأرض".
وختم بالقول: "نعتقد أن هناك المئات وقد يكونون أكثر من ألف مقاتل من داعش بالعراق، وهؤلاء ليس لديهم ما يخسرونه اليوم، لذا هم ينفذون هجمات مؤذية وانتقامية ولدينا شهر للقضاء عليهم من خلال محاصرتهم ومنع تسربهم خارج الجزءين الشمالي والغربي من العراق، خصوصاً بغداد التي يحاولون التسلل إليها منذ انكسارهم بالموصل ولغاية الآن. وهناك حرب استخبارات خفية في هذا الإطار، فقد نجحت القوات العراقية في حفظ بغداد من عملياتهم الانتقامية، ويجب استمرار هذا النجاح كونه مرتبطا بأرواح الأبرياء".
المقدم طالب العبودي من قيادة عمليات دجلة ضمن الجيش العراقي أوضح لـ"العربي الجديد"، أن "العمليات العسكرية حالياً ستستمر ويوجد خطر من جيوب وتجمعات داعش نعتقد أن بعضها جاء من سورية أخيراً". وأضاف أن "المساحة العراقية الشاسعة وصعوبة التضاريس أفضل لعناصر داعش، الباحثين عن ملاذ مما هو الحال في سورية المكشوفة وذات القوى المتعددة". ولفت إلى أنه "صودرت كميات كبيرة من العبوات الناسفة والصواريخ والقذائف والأسلحة والذخيرة خلال عمليات الأربعاء وأمس الخميس".
والثلاثاء، أعلن التحالف الدولي بقيادة واشنطن عن تنفيذ سلسلة غارات الرطبة والقائم بالأنبار غرب العراق والحويجة ونينوى وصحراء العظيم شمال العراق، استهدفت مخابئ وتجمعات لتنظيم "داعش"، إلى جانب غارات متزامنة نفذها في منطقتي البو كمال والشدادي في سورية، وذلك بعد أيام من إعلانه تنفيذ ثماني غارات مشابهة استهدفت مواقع للتنظيم في العراق وسورية أيضاً.
بدورها، أعلنت وزارة الدفاع العراقية، يوم الإثنين الماضي، عن قصف مقاتلات عراقية من طراز "أف 16" موقعاً لتنظيم "داعش" في بلدة طوزخورماتو، أسفرت عن مقتل ما لا يقلّ عن 10 عناصر من تنظيم "داعش"، فيما أعلن مجلس أمن إقليم كردستان في أربيل، عن مقتل عدد من عناصر التنظيم بقصف أميركي استهدف جبل في مكحول (60 كيلومتراً من مدينة أربيل)، مؤكداً في بيان له أن "القصف جاء ضمن تنسيق مع قوات البشمركة".
في هذه الأثناء، طالب مجلس محافظة الأنبار (الحكومة المحلية)، بـ"إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى المناطق الغربية للشروع بحملة أمنية واسعة للقضاء على الخلايا التابعة لداعش". وقال عضو المجلس فرحان محمد الدليمي، في تصريح لوسائل إعلام محلية عراقية، إن "المناطق الصحراوية ما زالت تشكل خطراً على القطعات العسكرية، لاحتوائها على خلايا نائمة لداعش، تقوم بعمليات خطف العسكريين والمدنيين".
وأضاف الدليمي أن "المناطق الصحراوية بين محافظتي صلاح الدين ونينوى وصولاً إلى مناطق غرب الأنبار، ما زالت غير مؤمنة وتحتوي على أنفاق سرية ومعسكرات لمجرمي داعش".
وحول ذلك، قال النائب في البرلمان العراقي المنتهية ولايته ماجد شنكالي لـ"العربي الجديد"، إن "إعلان النصر النهائي على داعش كان مستعجلاً من قبل الحكومة، لأن داعش ما زال موجودا والحشد الشعبي نفسه يتحدث عن أرقام كبيرة لعناصر التنظيم". وأضاف: "يجب أن تكون عمليات سريعة الآن وضخمة في شمال العراق وصحراء الأنبار، ومهم جداً أن يعود التنسيق بين البشمركة والجيش العراقي لتحقيق نصر كامل بالفعل على داعش". وتابع: "مناطق الحويجة والرياض والرشاد في كركوك مثلاً في الليل داعش يتسلل إليها وينفذ هجمات وينسحب. وسمعت أنه تم تشكيل قيادة مشتركة بين البشمركة والجيش وهذا جيد جداً".
النائب عن التحالف الكردستاني هوشيار عبدالله، أوضح: "الخلايا الإرهابية لداعش تعاود نشاطها ولديها حضور في كركوك، وأي تأخر في التحرك وضربها يعني نتائج كارثية والوضع فعلاً هش في الشمال خصوصاً كركوك". وبيّن أن "التحالف الدولي لديه تقارير استخبارية ويتعاون من خلالها مع القوات العراقية والبشمركة، في ضرب مواقع وتجمعات داعش الجديدة وأينما ظهرت في أي مكان بالعراق".