"ذخر" انتخابي لليمين الصهيوني
هل يضحك المرء، أو يبكي، عندما يسمع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وهو يعد "نجاحه" في تعزيز العلاقات مع الحكومات العربية "المعتدلة" إنجازاً "قوميّاً" يستدعي تقديراً من رجل الشارع الإسرائيلي، يتمثل في التصويت لصالح حزب الليكود الذي يقوده في الانتخابات المقبلة، لضمان مواصلة تكريس هذا "الإنجاز" في المستقبل. فحسب ما ذكرته قناة التلفزة الإسرائيلية الأولى، فإن حزب الليكود ينوي توظيف نجاح نتنياهو في إرساء دعائم "التحالف الاستراتيجي" مع معسكر "الاعتدال" العربي، للتدليل على "أهليته"، لمواصلة قيادة إسرائيل في المرحلة المقبلة أيضاً. ما يفاقم الإحباط لدى كل عربي حقيقة أن نخب "الليكود" تلفت الأنظار إلى "نجاح" نتنياهو في إحداث اختراقات مهمة، على صعيد تمتين العلاقات مع "معسكر الاعتدال" العربي، من دون أن يبدي أي تراجع عن الخطوط العامة لأيديولوجيا الحزب اليمينية المتطرفة، العنصرية، القائمة على رفض إقامة دولة فلسطينية، وتأكيد حق إسرائيل في مواصلة البناء في المستوطنات في جميع أرجاء الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وسبق لنتنياهو التباهي بالعوائد الاستراتيجية للتحالف مع الحكومات العربية في أثناء الحرب على غزة وبعيْدها، حيث أكد أن إسرائيل تخوض الحرب في ظل تعاون المحيط العربي. واتضح أن قادة من "الليكود" سيركزون في الحملة الانتخابية على إبراز دور نتنياهو في تعزيز البيئة الاستراتيجية لإسرائيل، عبر توثيق التحالف مع العالم العربي. في الوقت نفسه، فاجأ نتنياهو الجميع بقراره إشراك النائب، ميري ريغف، في الحملة الانتخابية للحزب. وهذه ليست فقط من أبرز خصوم نتنياهو داخل الحزب، بل هي الأكثر فظاظة في خطابها العنصري ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين. وكما يقول حنان كريستال، معلق الشؤون الحزبية في سلطة البث الإسرائيلية، فإن قرار نتنياهو إشراك ريغف في الحملة الانتخابية يأتي بهدف مغازلة هوامش اليمين المتطرف، حيث إن ريغف (العلمانية) من أشد المتحمسين لتقسيم المسجد الأقصى، زمانيّاً ومكانيّاً بين المسلمين واليهود، علاوة على مطالبتها بـ "تفعيل السيادة اليهودية" على الحرم. وقد وصل بريغف التي كانت ناطقة باسم الجيش الإسرائيلي إلى حد التعهد بوقف "نداء حيوانات محمد"، في إشارة إلى الآذان الذي يصدح في الحرم القدسي. يعي نتنياهو أن منح مأفونة هاذية، مثل ريغف، منصة لترويج أفكارها، على أمل أن يفضي الأمر إلى تعزيز فرصه في البقاء في ديوان رئاسة الحكومة بعد الانتخابات المقبلة، يستفز مشاعر العرب، لكنه، في المقابل، يدرك أن نظم الحكم العربية تبدي حساسية أقل بكثير.
ولا يقتصر توظيف التحالف مع الأنظمة العربية في الحملة الانتخابية على الليكود، بل إن مركبات أكثر تطرفاً اكتشفت الطاقة الكامنة في إبراز دورها في تعزيز هذا التحالف. ففيما تتوقع استطلاعات الرأي العام في إسرائيل أن ينهار حزب "يسرائيل بيتينو"، بسبب الفضيحة المالية المدوية التي دللت تحقيقات الشرطة على أن كبار قادة الحزب متورطون فيها، فإن زعيم الحزب وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، مشغول حاليّاً بإبراز دوره في تعزيز التحالف مع النظم العربية "المعتدلة". وفي الوقت نفسه، التشبث بمواقفه المتطرفة من الصراع. فقد اختار ليبرمان، مطلع الشهر الجاري، أن يسرب للكاتب والأديب، إيال مجيد، إنه قد توصل إلى مشروع تسوية مع "شخصية عربية كبيرة" لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من وراء ظهر الفلسطينيين. وحسب مجيد، في مقال نشرته صحيفة "هارتس"، فإن المشروع يحظى بدعم مصر والأردن وكل الحكومات العربية "المعتدلة". وعلى الرغم من أن مجيد لم يكشف عن مبادئ هذا المشروع، إلا أن مواقف ليبرمان المعلنة، تدلل على أنه مشروع لا يمكن أن يتعارض مع مواقفه المتطرفة. ومن الواضح أن ليبرمان يريد أن يوصل، في هذا التسريب، رسالة إلى الرأي العام الإسرائيلي، مفادها بأنه قادر على تأمين غطاء عربي لتسوية لا تتعارض مع منطلقات اليمين الصهيوني. لكن ليبرمان عمد، أيضاً، إلى استفزاز الرأي العام العربي والإسلامي، في تعليماته إلى ناشطي حزبه بتوزيع آلاف النسخ من مجلة "شارلي إبيدو" الفرنسية التي نشرت الصور المسيئة للنبي محمد (ص)، بعد أن تراجعت شبكة الكتب الإسرائيلية "استيماسكي" عن توزيع المجلة. ومن أسف، فإن اختيار ليبرمان استفزاز مشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين جاء لإدراكه، أيضاً، أن مثل هذه الخطوة لن تؤثر على مخططات نظرائه من العرب للقائه سرّاً. ولا حاجة للتذكير بتصريح ليبرمان، قبل ثلاثة أشهر، أنه "شبع" من عقد اللقاءات السرية مع كبار المسؤولين العرب.
من العسف أن ينسب قادة اليمين "الإنجاز" المتمثل في تعزيز التحالف مع الأنظمة العربية "المعتدلة" إلى قدرات هؤلاء القادة. فعلى سبيل المثال، يصف نتنياهو بأنه الأكثر ارتباكاً من بين رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على حكم إسرائيل. فيما يشهد وزير الخارجية الأسترالي السابق، بوب كار، في كتابه "يوميات وزير الخارجية"، بأن ليبرمان أقل وزراء الخارجية الأجانب حنكة ودبلوماسية ممن التقاهم في عمله. ومن أسف، أن هذا "الإنجاز" يرجع، بشكل أساس، لتهافت نظم عربية على النخب الحاكمة من اليمين الصهيوني المتطرف، انطلاقاً من افتراض مفاده بأن توطيد التحالف يحسن من قدرة هذه النظم على محاربة خصومها السياسيين من الحركات الإسلامية. والنتيجة أن يوظف اليمين هذا التحالف في تحسين فرصه في الفوز مجدداً في الانتخابات المقبلة.