يُعدّ تصوير الحياة اليومية من أكثر الثيمات التي تناولها الرسّامون سواء في المدن التي يستقرّون فيها أو حين يرتحلّون من مكان إلى آخر. وقد كان تصوير الحياة اليومية الجزء الأكبر من الفن التشكيلي، حتى منتصف القرن العشرين، المنتج حول المدينة العربية سواء ما وضعه رسامون أوروبيين عابرون أو أبناء هذه المدن الذين تأثّروا في بداياتهم بهم.
بمرور العقود، تقلّص استدعاء الحياة اليومية في اللوحات الفنية مع صعود تيارات ومؤثرات عدة وجّهت الفنانين في اتجاهات مختلفة وهم يقاربون المدينة. وبشكل عام بقيت اللوحة الاستشراقية هي الصورة المهيمنة على مجمل محاولات رسم الحياة اليومية.
يحضر هذا التاريخ ونحن نقف أمام أعمال معرض مشترك بعنوان "ذهاب وإياب"، جمع بين فنان الغرافيك الفرنسي سيمون لاموريه والكاتب المسرحي المغربي يوسف لحريشي. المعرض انطلق منذ قرابة شهر ويتواصل حتى نهاية الشهر الجاري في "المعهد الثقافي الفرنسي" في الدار البيضاء التي تمثّل محور هذا المعرض من خلال استعراض الحياة اليومية فيها، من مدارسها إلى مقاهيها، مروراً بساحاتها وجوامعها وملاعبها.
تقوم فكرة المعرض على الجمع بين صور اختار لاموريه أن يرسمها باستعمال تقنية الأكواريل، على ورق كراس، ونصوصٍ تنطلق من نفس الصور وتذهب في ذاكرة المكان أو الكاتب وكأنها تحاول من جهة أن تكمّل ما لا تستطيع عين "الغريب" التقاطه، ومن جهة أخرى فإنها تحمي هذه الرسومات من كل نظرة استشراقية ممكنة حيث تتيح لها أن تتأصّل في المحيط الذي تقاربه.
يستفيد لاموريه في هذه التجربة من كونه رسّام أشرطة مصوّرة بما يقتضيه هذا النمط الفني من قدرة على استيعاب حركة الحياة، وأيضاً من خلال البناءات السردية التي يفترضها، علماً وأنه فنان الغرافيك الفرنسي كان قد أصدر ضمن مجال الأشرطة المصوّرة كتاباً بعنوان "بنغالور" كان هو الآخر اشتغالاً على إقامته في الهند.