وحذرت المنظمة من تعرض المبعدين لخطر التعذيب وسوء المعاملة في مصر بسبب أنشطتهم السياسية السابقة، خصوصاً أنه حُكم على ثلاثة منهم على الأقل بالسجن غيابياً في بلدهم الأصلي، داعية السلطات الماليزية والتركية إلى إنهاء عمليات الترحيل التي تنتهك القوانين الدولية، والتحقيق بشفافية مع المسؤولين عن إصدار أوامر الترحيل.
وأفادت المنظمة بأن المعارض عبد الله محمود هشام رُحل من ماليزيا في 3 مارس/ آذار 2019 بعد نحو شهر من احتجازه، بحسب رواية زوجته، التي أكدت أنه غير مُدان في أي من القضايا، غير أن أسرته لم تتمكن من تحديد مكانه.
وقال نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة مايكل بَيغ إنه "بما أن مصر لديها سجل حافل بالتعذيب المنهجي، والإخفاء القسري، والمحاكمات الجائرة للمعارضين، يتحتم على السلطات أن تتيح تواصل المرحلين بشكل كامل مع المحامين".
وطالب بَيغ الماليزيين والأتراك بـ"الإعلان أيضاً عن الإجراءات التي اتبعت في عمليات الترحيل، بما في ذلك ما إذا كانوا قد نظروا في خطر سوء المعاملة عند العودة، وما إذا كان المبعدون قد تمكنوا من الوصول إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
وقالت تقارير إعلامية إن ماليزيا رحلت ستة مصريين وتونسياً واحداً في أوائل مارس/ آذار الماضي، تحت ذريعة "التخطيط لهجمات عنيفة في بلدان أخرى".
وتمكنت "رايتس ووتش" من الحصول على أسماء أربعة من المصريين الستة، هم محمد فتحي عيد، عبد الله محمود هشام، عبد الرحمن عبد العزيز أحمد، وعزمي السيد محمد، لافتة إلى أن المبعدين الأربعة كانوا يعيشون في ماليزيا منذ سنوات عدة، فيما اثنان منهم طلاب في أوائل العشرينات، أما الآخران فمدرسان ويعملان في العقارات.
وتابعت المنظمة: "انتهكت عمليات الترحيل على ما يبدو التزام ماليزيا بعدم الإعادة القسرية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب الأممية، التي تحظر الإعادة القسرية لأي شخص إلى أماكن قد يتعرض فيها على الأرجح للتعذيب"، منوهة إلى تواصل عزمي السيد محمد مع "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" في عام 2016 لطلب اللجوء، إلا أن السلطة سارعت إلى اعتقاله بعد تسجيل طلب المساعدة من المفوضية.
من جهتها، قالت السلطات الماليزية إنها "ألغت تصاريح إقامة المبعدين لانتهاك المادة 9 من قانون الهجرة الماليزي، الذي ينص على ترحيل الأجانب الذين يمثلون تهديداً أمنياً".
في المقابل، قالت زوجة هشام، جودي هاريس، وهي مواطنة أسترالية، إن السلطات الماليزية اعتقلت الرجال الأربعة خلال الأسبوع الأول من فبراير/شباط، موضحة أن السلطات لم تبلغ الأسر بأي تهم رسمية.
وبينت هاريس، وصديقان للرجال الأربعة، أنهم رُحلوا من كوالالمبور في 5 مارس/آذار، بعد أن أجبرتهم السلطات الماليزية على الصعود في رحلة إلى بانكوك للسفر إلى القاهرة في اليوم التالي.
وعلمت "رايتس ووتش" أن "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان" في تايلاند قد استفسرت عن هذه القضية في مكتب الهجرة التايلاندي، ووجدت أن مسؤولين تايلانديين ومصريين رافقوا المرحلين إلى رحلتهم في مطار "سوفارنابومي".
ولم تسمح السلطات الماليزية للمبعدين بالوصول إلى "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون للاجئين"، وصادرت هواتفهم، كما لم تسمح لهم بمقابلة محاميهم، وفقاً لزوجة هشام وصديقه.
وأضافت هاريس أن زوجها قيل له إن "زيارة واحدة للمحامي تكفي"، وحُرم من أي زيارات أخرى، مشيرة إلى أن السلطات الماليزية كانت تستعد لمقاضاة الرجال الأربعة، ولكنها بدلاً من ذلك رحلتهم بعد أن تعذر عليهم الاتصال بعائلاتهم لعدة أيام.
وقالت محامية ماليزية لـ"رايتس ووتش" إن السلطات لم تسمح لهاريس بزيارة هشام عندما طلبت ذلك، وإنه كان على السلطات الماليزية أن تعرض الرجال أمام قاض خلال 48 ساعة، وتوفر لهم مساراً قانونياً للطعن في ترحيلهم.
وقال المفتش العام للشرطة الماليزية محمد فوزي هارون في تصريحات إعلامية رسمية، إن خمسة من المصريين الذين اعتقلوا، بمن فيهم شخص لم تتمكن المنظمة الدولية من معرفة اسمه، كانوا أعضاء في جماعة "الإخوان المسلمين"، أكبر مجموعة معارضة للرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي حظرتها السلطات المصرية في ديسمبر/ كانون الثاني 2013.
واتهم هارون الرجال الخمسة بـ "توفير المأوى والنقل والتوظيف" لرجلين آخرين، مصري وتونسي، تم اعتقالهما كذلك، وترحيلهما بعد اتهامهما بالارتباط بجماعة "أنصار الشريعة" التونسية المتطرفة، والتي أدرجها مجلس الأمن الأممي والحكومة التونسية كمجموعة إرهابية.
وحصلت المنظمة على وثائق المحكمة التي تبين أن هشام حُكم عليه بالسجن عامين، وغرامة لمشاركته في مظاهرة مناهضة للحكومة في يناير/كانون الثاني 2014 في الإسكندرية. وادعت النيابة المصرية أن هشام و4 من المدعى عليهم شاركوا في مظاهرة عنيفة، وأن سيارة شرطة تعرضت للتخريب.
وراجعت "رايتس ووتش" شكوى أرسلتها عائلة هشام إلى النيابة العامة في الإسكندرية في 20 يناير/كانون الثاني 2016، قالت فيها إن "الشرطة احتجزت هشام سراً لعدة أسابيع بعد أن أنهى عقوبته".
وقالت زوجة هشام إنه غير مطلوب بتهم أخرى، وغادر مصر بطريقة قانونية بعد إطلاق سراحه، عبر مطار برج العرب في 8 أبريل/ نيسان 2016، وحصل على إقامة طالب في ماليزيا، مؤكدة أن المحامين لم يتمكنوا من تحديد مكانه منذ ترحيله إلى مصر.
واعتقلت السلطات المصرية أحمد (23 عاماً)، وهو طالب من القاهرة، في منتصف 2015، واتهمته بالانتماء إلى جماعة الإخوان، والمشاركة في احتجاجات مناهضة للحكومة. وبعد أن غادر أحمد بلده متوجهاً إلى ماليزيا، حكمت عليه محكمة جنائية مصرية غيابياً بالسجن 15 عاماً.
وراجعت "رايتس ووتش" صفحات من ملف النيابة العامة، والتي أظهرت أن السلطات اتهمت أحمد بحمل ملصقات ضد الانقلاب العسكري في مصر في عام 2013، وحمل هاتفاً جوالاً يحتوي صورة يظهر فيها الشخصية الإسلامية حازم صلاح أبو إسماعيل.
وأفادت صحف مصرية مؤيدة للحكومة بأن "محمد كان من بين 51 مدعى عليهم حكمت عليهم محكمة الجنايات في مدينة المنصورة غيابياً بالسجن مدى الحياة، إثر محاكمة جماعية لـ 54 شخصاً متهمين بالمشاركة في مظاهرة عنيفة في سبتمبر/ أيلول 2013".
ونشأت القضية من اشتباكات عنيفة بين مشيعي صفوت خليل، أحد قادة جماعة "الإخوان"، والشرطة وأنصار الحكومة، على خلفية الزعم أنه مات بسبب نقص الرعاية الطبية في السجن، وقت أن كان مريضاً بالسرطان، وادعاء أنصار جماعة الإخوان أن "بلطجية" هاجموا الجنازة التي جذبت مئات المشيعين.
وفي حادث منفصل، رحلت السلطات التركية محمد عبد الحفيظ، في أواخر يناير/ كانون الثاني 2019، وهو مصري حُكم عليه بالإعدام غيابياً في مصر في قضية اغتيال النائب العام السابق هشام بركات في عام 2015، ويحاكم في المحاكم العسكرية المصرية في قضيتين أخريين على الأقل.
وكان عبد الحفيظ قد اختفى منذ ترحيله إلى القاهرة بعد يوم من وصوله إلى مطار "أتاتورك" في إسطنبول، لكن في 3 مارس/آذار مثل في قاعة محكمة في القاهرة، واستُجوب في إحدى القضيتين العسكريتين، على حد قول أحد أقاربه لـ"رايتس ووتش".
وقال قريب عبد الحفيظ إن أحد المحامين في قاعة المحكمة أخبر العائلة أنه بدا وكأنه "تعرض لتعذيب شديد"، وأنه كان غير قادر على السمع أو الرؤية بشكل جيد. وقالت السلطات التركية إنها أوقفت ثمانية عناصر أمن، وفتحت تحقيقاً في واقعة ترحيله.
ودعت المنظمة الدولية السلطات المصرية إلى السماح لجميع المرحلين بالوصول إلى محاميهم بشكل فعلي، ومحاكمتهم محاكمة عادلة تحترم الحد الأدنى من الضمانات للإجراءات القانونية الواجبة، إذا كان هناك دليل موثوق على جريمة جنائية، أو تطلق سراحهم إذا ثبت عكس ذلك.
وعبد الحفيظ مهندس زراعي، يبلغ من العمر 28 عاماً، ورُحل إلى مصر في 18 يناير/ كانون الثاني الماضي، على حد قول أحد أقاربه للمنظمة.
وقال المصدر نفسه إنه تم قبول عبد الحفيظ في تركيا فور وصوله من الصومال في 17 يناير/كانون الثاني، وإنه كان يخطط لطلب اللجوء، غير أن عائلته فقدت الاتصال به بعد ساعات قليلة. ومع ذلك، احتجزه عنصر أمن، بعد ختم جواز سفره، بحجة أنه كان هناك خطأ "ستتم معالجته".
وعبد الحفيظ هو واحد من 15 متهماً حُكم عليهم بالإعدام في محاكمة جماعية لـ68 شخصاً بتهمة اغتيال النائب العام السابق، أعدمت السلطات المصرية تسعة منهم في 20 فبراير/ شباط الماضي، على الرغم من مزاعمهم التي لم يتم التحقيق فيها بشأن تعذيبهم وإخفائهم. ويحق له إعادة محاكمة بموجب القانونين الدولي والمصري، بما أنه أدين غيابياً، ولم يُحدد موعد لإعادة المحاكمة.
وقال قريب لعبد الحفيظ إن "المحامين لم يتمكنوا من تحديد مكانه بعد الترحيل، حتى مثل أمام قضاة عسكريين في القاهرة بقضية مختلفة متعلقة بمحاولة فاشلة لاغتيال النائب العام المساعد زكريا عبد العزيز".
ونقلت وزارة العدل العديد من جلسات الاستماع في المحاكمات التي تشمل مدعى عليهم ذوي خلفيات سياسية إلى مؤسسات الشرطة في السنوات الأخيرة، لأسباب أمنية مزعومة.
وأضاف قريب عبد الحفيظ أن العائلة لم تُبلغ بأن الأخير متهم في هذه القضية، رغم أن النيابة أحالت القضية إلى المحكمة قبل أكثر من عامين. وبدأت جلسات الاستماع في هذه القضية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 لحوالي 300 مدعى عليهم، جميعهم تقريبا مدنيون، اتهموا بتنظيم هجمات عنيفة والانضمام إلى جماعة "حسم" المسلحة.
وراجعت "رايتس ووتش" قائمة الاتهام بقضية أخرى تعرف باسم "حسم 2"، حيث أحيل 278 مدعى عليهم، بمن فيهم عبد الحفيظ، إلى محكمة عسكرية في 2019 بدعوى تنظيمهم هجمات عنيفة.
وختم بَيغ بيان المنظمة قائلاً إن "السلطات الماليزية والتركية ترحل أشخاصاً تعرف أنهم قد يواجهون تعذيباً شديداً ومحاكمات جائرة، وعمليات الترحيل هذه يجب ألا تحدث مجدداً، ويجب التحقيق فيها".