وأضافت المنظمة في تقرير، اليوم الأربعاء، بعنوان "حياة القبور: انتهاكات سجن العقرب في مصر"، أن موظفي سجن العقرب يضربون النزلاء ضرباً مبرحاً وعزلهم في زنازين "تأديبية" ضيقة، مع منع زيارات الأهالي والمحامين، وعرقلة رعايتهم الطبية.
ووثقت المنظمة في تقريرها، المعاملة القاسية على أيدي عناصر وزارة الداخلية المصرية، التي قد ترقى إلى مصاف التعذيب في بعض الحالات، وتنتهك معايير دولية أساسية لمعاملة السجناء، وأوضح استمرار الانتهاكات في السجن الذي "يُحتجز نزلاؤه في زنازين دون أسرّة أو مستلزمات النظافة الشخصية الأساسية، ودون متابعة جهات الرقابة، وراء جدار من السرية شيدته وزارة الداخلية".
وقال نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، جو ستورك: "سجن العقرب هو المحطة الأخيرة للمعتقلين في مسار القمع الحكومي. يضمن إسكات الخصوم السياسيين وقتل آمالهم. يبدو أن الغرض منه أن يبقى مكاناً ترمي فيه الحكومة منتقديها ثم تنساهم".
وقابلت "رايتس ووتش" 20 من أهالي النزلاء المحتجزين بسجن العقرب، ومحاميَين اثنين وسجيناً سابقاً، واطلعت على سجلات طبية وصور للسجناء المرضى والمتوفين.
ومنذ يوليو/تموز 2013، شنت السلطات المصرية إحدى أكبر حملات الاعتقال في تاريخ مصر الحديث، واستهدفت طيفاً عريضاً من الخصوم السياسيين. حصل ذلك بعدما عزل الجيش المصري، بقيادة وزير الدفاع آنذاك، عبدالفتاح السيسي، أول رئيس يأتي بانتخابات حرة والقيادي في "الإخوان المسلمين"، محمد مرسي.
وقال أقارب السجناء للمنظمة، إن الظروف في سجن العقرب تدهورت كثيراً في مارس/آذار 2015، عندما عيّن السيسي– الذي انتُخب رئيساً في 2014– اللواء مجدي عبدالغفار، وزيراً للداخلية. بين مارس/آذار وأغسطس/آب 2015، حظر مسؤولو وزارة الداخلية جميع زيارات الأهالي والمحامين؛ عملياً، عُزل السجن تماماً عن العالم الخارجي.
وأفاد التقرير بمنع الأهالي من تسليم الطعام والدواء المطلوبين بشدة، في ظل عدم توفرهما بالشكل المناسب في السجن، الذي لا يوجد به مستشفى أو زيارات منتظمة من الأطباء. "يرقى الحظر إلى ما وصفه الأهالي بسياسة تجويع أدت إلى إصابة النزلاء بالمرض والهزال".
وبين مايو/أيار وأكتوبر/تشرين الأول 2015 مات على الأقل 6 من نزلاء العقرب وراء القضبان. وافق أهالي 3 من المتوفين على الحديث إلى هيومن رايتس ووتش، حيث شُخِّص 2 بالسرطان والثالث بالسكري، وقال الأهالي إن السلطات منعتهم من تلقي العلاج أو تسلم الدواء في الوقت المناسب، ورفضت النظر في أمر الإفراج المشروط عنهم لأسباب طبية، ولم تحقق في وفاتهم.
وفي إحدى الحالات رفضت وزارة الداخلية إمداد عصام دربالة – العضو القيادي في "الجماعة الإسلامية" الذي كان مصاباً بالسكري– بالدواء الموصوف له، على الرغم من أوامر من قاضٍ ومن النيابة بتوفيره، وعلى حد قول شقيق دربالة وأحد المحامين: "رفضت السلطات ذلك حتى بعد مثول دربالة في أغسطس/آب 2015 أمام المحكمة، وكان يرجف وشبه فاقد للوعي وغير قادر على وقف التبول. مات دربالة بعد ساعات من الجلسة"، بحسب التقرير.
وأضاف التقرير "فريد إسماعيل– نزيل آخر، وعضو برلماني سابق عن حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين– كان مريضاً بفيروس الكبد الوبائي ج (فيروس سي) ومات في مايو/أيار 2015، بعد أن دخل غيبوبة كبدية في السجن".
وقالت عائشة الشاطر، ابنة نائب المرشد العام للإخوان المسلمين خيرت الشاطر، للمنظمة: "في أحد الأيام لم يرد إسماعيل على التعداد اليومي للنزلاء الذي ابتكره والدها وآخرون في العنبر، في فترة أجبروا فيها على البقاء في الزنازين. أعلموا الحراس بذلك، فأجاب هؤلاء: ليس شأنكم. في اليوم التالي اكتشف الحراس إسماعيل فاقداً للوعي في زنزانته. مات في مستشفى خارجي بعد أسبوع تقريباً".
وأضافت عائشة الشاطر: "بعد ذلك أصبح الصياح من داخل الزنزانة ممنوعاً. يقولون: إنها حياة القبور. أحياء لكن في قبور".
منذ حظر الزيارات شهوراً عام 2015، استمرت سلطات سجن العقرب تعسفاً في منع النزلاء من لقاء الأهل والمحامين طوال أسابيع أو شهور. لا تسمح للنزلاء بمقابلة المحامين على انفراد في أي وقت. قام ضباط، منهم بعض كبار المسؤولين بوزارة الداخلية، بضرب وتهديد النزلاء الذين أضربوا عن الطعام احتجاجاً على أحوال السجن، مع إهانة وإساءة معاملة السجناء البارزين أثناء تفتيش الزنازين.
وقالت المنظمة "بين عزل مرسي ومايو/أيار 2014، اعتقلت السلطات المصرية أو وجهت اتهامات إلى 41 ألف شخص، طبقاً لإحصاء موثّق، واعتقلت 26 ألفاً آخرين منذ بداية 2015، على حد قول محامين وباحثين حقوقيين. أقرت الحكومة باعتقال نحو 34 ألفاً.
بينما ادعى المحتجزون في السجون المصرية الأخرى التعرض لانتهاكات جسيمة، تبين أن سجن العقرب– وليس للمرة الأولى في تاريخه– هو المركز الأساسي الذي يُساق إليه من يُعتبرون الأعداء الأخطر للدولة".
هذا السجن الذي شُيد عام 1993 ويُعرف رسمياً باسم "سجن طرة شديد الحراسة"، كان الهدف منه احتواء "المعتقلين وقائياً في قضايا أمن الدولة"، بحسب قرار إنشاء السجن، وقال اللواء إبراهيم عبدالغفار، المأمور السابق لسجن العقرب، في مقابلة تلفزيونية عام 2012: "صمموه بحيث أن من يدخله لا يخرج منه حياً. صمموه للمعتقلين السياسيين".
جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية – وكان يُعرف حينئذ بـ"مباحث أمن الدولة" – هو الذي يدير سجن العقرب فعلياً، مستعيناً بسلطات تتجاوز سلطات القضاء. يتجاهل الجهاز الكثير من أحكام المحاكم برفع الحظر المتعسف على الزيارات.
"حالياً، يبدو أن الوضع لم يتبدل كثيراً في سجن العقرب، الذي يحوي نحو 1000 سجين، بحسب تقدير الأهالي. بين السجناء معظم القيادات العليا للإخوان المسلمين، وأعضاء مزعومون في تنظيم الدولة الإسلامية، ومنتقدون عدة لحكومة السيسي، بينهم صحافيون وأطباء" بحسب التقرير.
وقالت هيومن رايتس ووتش: "على وزارة الداخلية المصرية أن تُنهي فوراً حظر الزيارات التعسفي، وتضمن الزيارات المنتظمة من الأطباء مع إتاحة الرعاية الطبية بانتظام، وأن تمد النزلاء بالمستلزمات الأساسية اللازمة للنظافة الشخصية والراحة. يجب أن تسمح الحكومة المصرية بزيارة مراقبين دوليين للسجن، وتشكل لجنة وطنية مستقلة لها سلطة إجراء زيارات غير معلنة للسجون وأماكن الاحتجاز الأخرى وأن تحيل الشكاوى إلى النيابات العامة المختصة".
وأكد التقرير أيضاً، أنه "على النيابة العامة المصرية أن تحقق في وفيات السجناء، وتوجه تهماً إلى مسؤولي القيادة في سجن العقرب المتصلين بأية أعمال تعذيب أو معاملة قاسية أو لا إنسانية".