أمّهات يرضعن أطفالهنّ. كل واحدة منهنّ بوضعيّة مختلفة، في 27 صورة عُرِضت في وسط العاصمة اللبنانيّة بيروت. وتلك الصور، التقطها خمسة مصوّرين محترفين حرصوا على ترجمة فكرة جوانا الزين نوفل، الاختصاصيّة في الرضاعة الطبيعيّة، تحت عنوان "رحلة حب".
الرضاعة الطبيعيّة ضرورة للحفاظ على صحة الطفل بعد الولادة، تؤكّد نوفل. ولا بدّ من أن تتعرّف الأم إلى فوائد الحليب الطبيعي التي لا تنعكس إيجاباً فقط على نموّ رضيعها الجسدي والفكري، وإنما تطالها هي أيضاً على الصعيدَين الجسدي والنفسي. لكن وكنتيجة للنقص في التوعية في مجتمعنا العربي، نجد عدداً كبيراً من السيدات اللواتي يفضلن اللجوء إلى الحليب المصنّع، لاعتبارات عدة، منها معتقدات خاطئة تقول مثلاً بزيادة الوزن وتغيّر شكل الثدي.
من هنا، وبهدف التوعية، كان معرض "رحلة حب" الذي يحاول إيصال الفكرة بأسلوب فنيّ متميّز، بالتنسيق مع "الحملة الوطنيّة للرضاعة الطبيعيّة" في وزارة الصحة العامة اللبنانيّة.
تشير نوفل في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى الانتقال من المنشورات والتدريبات إلى استخدام أسلوب "الصورة" التي من شأنها أن تجذب شريحة كبيرة من أمهات المجتمع اللبناني، وتوصل الرسالة بشكل سريع. وتلك الصور توثّق لحظات من يوميات هؤلاء الأمهات.. الأم التي تعيش ظروفاً اجتماعيّة صعبة أو تلك التي تعمل، وليس لديها الوقت الكافي للاعتناء بطفلها في المنزل.
لكن هذه المبادرة وُصفت بالغريبة، من قبل أمهات غير مرضعات. فتقول نوفل: "في هذه الحالات نتفهّم أسباب انزعاج المرأة ورفضها. فلكل واحدة قصّة". وتتحدّث عن حالة تناولتها الصحافة الأميركيّة، عن أم تعاني من سرطان الثدي رفضت إرضاع طفلتها خوفاً من نقل المرض إليها على الرغم من أن هذا مفهوم خاطئ".
تؤكّد الدراسات الطبيّة أن للرضاعة الطبيعيّة أهميّة كبيرة في نموّ الطفل. فهي ترفع مستوى المناعة لديه، وتزيد مستوى ذكائه، كذلك تخفّف من مخاطر الإصابة بالأمراض كسرطان الدم الذي يطال الأطفال. وتخفّف الرضاعة الطبيعيّة نسبة الإصابة بمرض السكري الأول والثاني لدى الأم والطفل على حدّ سواء. وتحذّر نوفل من أن "استبدال الرضاعة بالحليب المصنّع له مخاطره التي تتجسد بالإسهال الحاد وبزيادة الأمراض التنفسيّة. وقد صُنّفت هاتان الحالتان عالمياً كأخطر الأمراض التي يتعرّض الأطفال لها، وقد تؤديان إلى الوفاة".
إلى ذلك، تلفت نوفل إلى دور الجمعيات المدنيّة التي تعمل وتساهم بشكل فعّال في نشر هذه الرسالة، بالإضافة إلى البرنامج الوطني لتغذية الرضع والأطفال التابع لوزارة الصحة. وتشرح أن "البرنامج ينظم نشاطات عدّة للتوعية حول موضوع الرضاعة الطبيعيّة، ويدرّب العاملين الصحيّين في المستشفيات لتحويلها الى مستشفيات صديقة للرضّع. فدور الأطباء والمستشفيات مهمّ جداً في التشجيع على الرضاعة الطبيعيّة، لأن أكثر من ثلثَي الوفيات بين الأطفال مرتبط غالباً بممارسات التغذية غير المناسبة، خلال عامهم الأول. تضيف: "لا توجد في مرحلة الطفولة، نعمة تعلو على نعمة الرضاعة الطبيعيّة. ومع ذلك، لا يستفيد منها بشكل حصري خلال الأشهر الستة الأولى من العمر، إلا نحو ثلث الرضّع".
بالتالي، تشدّد على ضرورة الاستعانة بعامل صحي لتخطي هذه المرحلة الصعبة خلال الأسابيع الثلاثة الأولى.
مايا بدر، تظهر في صورة مع نساء أخريات وهنّ يرضعن أطفالهنّ أمام أحد المتاجر. أما قصّة هذه الصورة، فتشرحها بدر الناشطة في جمعيّة "لكتيكا" لتشجيع الرضاعة الطبيعيّة وحمايتها ودعمها. تخبر أن جمعيتها نظمت رضاعة علنيّة سلميّة شاركت فيها مجموعة من الأمهات إلى جانب آباء وأطفال، بهدف دعم أم تعرّضت للإهانة بعدما أرضعت طفلتها في غرفة قياس في أحد المتاجر.
أمّهات فخورات
لم تواجه جوانا الزين نوفل صعوبة في تنفيذ الفكرة مع الأمهات المرضعات، "إذ الأم التي تمارس دورها الطبيعي، يمكن أن تتحدث لساعات عن أهميّة منح الطفل حقه بحليبها. هي لديها الرغبة بتوعية الأخريات حول ضرورة ممارسة دورهنّ هذا". وقد التقط صور هؤلاء الأمهات: حنان مبشر وهانيا سلهب طيارة وكارين بدر وفادي نسبي واستوديو "بلو بلاك". * يستمرّ معرض "رحلة حب" لغاية 14 ديسمبر/ كانون الأول الجاري في أسواق بيروت.