شكّلت الصورة الفوتوغرافية ميداناً خصباً لدراسات المدينة العربية وتحوّلاتها منذ منتصف القرن التاسع عشر، مع ظهور أولى الصور التي التقطها بالعادة زوّار أوروبيون، أتوا لأغراض مختلفة، ثم تعدّدت المشاهد المصوّرة نظراً لارتباطها بمحطّات تاريخية تركت أثرها في المنطقة.
في مراكز المدن المصرية، ومع رواج صناعة القطن قبل نحو مئة وخمسين عاماً، تأسّست مجموعة من الاستودويهات التي تركت أرشيفاً يمثل الجانب المعماري والمعالم الطبيعية والأثرية، إلى جانب الاهتمام بالعديد من الأنشطة والطقوس الاجتماعية مثل الأعراس والتنزّه خاصة في مواسم معينة.
صدر حديثاً كتاب "رشيد في عصر الفوتوغرافيا" عن "مؤسسة الأمة العربية للطباعة والنشر والتوزيع"، للباحث سعيد رخا، الذي يتضمّن حوالي مئتي صورة تروي تاريخ مدينة رشيد (260 كلم شمال القاهرة)، مبرزة ملامح عمرانها وأحداثها الأساسية، وتفاصيل الحياة اليومية في حقب زمنية مختلفة.
يأتي الكتاب في إطار مشروع المؤلّف الذي يجمع كلّ ما يتعلق من وثائق وخرائط وصور وأعمال فنية ترتبط بالحاضرة التي يعود ذكرها في المصادر التاريخية الإسلامية إلى القرن التاسع الميلادي، سواء كانت مجموعات خاصة لأفراد أو جهات ومؤسسات عامة في داخل مصر أو خارجها، إضافة إلى شهادات ومقتنيات لدى عدد من رموزها وأبنائهم.
كما يحتوي على مجموعة من اللوحات الفنية لكبار المستشرقين جسدوا بها أحوال المدينة وطبيعتها، التي تنتمي إلى الفترة بين بداية القرن السادس عشر ونهاية القرن التاسع عشر، ومنهم الرحّالة الفرنسي جان دو تيفينو في القرن السابع عشر، والرحالة الروسي إيوان لوكيانوف في القرن الثامن عشر.
يؤثّث رخا الصور التي التقطها الفنان جوزيف فيليبير دو برانجي التي زار رشيد عام سنة 1842، ويجمع أول ألبوم فوتوغرافي للمدينة، ومن أهم ما تكشف عنه الصور، مجموعة من الأمكنة والآثار التي اندثرت ولم يعد لها وجود الآن سوى ذكرها في الكتب التاريخية.
يضم الكتاب أيضاً جانباً من ألبوم رشيد، لمصور العائلة المالكة رياض باشا شحاتة (المصور الخاص للملك أحمد فؤاد الأول ومن بعده ابنه الملك فاروق)، وصوراً أخرى نادرة لعائلة محمد علي في رشيد ومحافظة البحيرة في النصف الأول من القرن العشرين.
ويسجّل رخا أحداثاً لاحقة، من أبرزها زيارة الزعيم جمال عبد الناصر إلى المدينة، وافتتاحه متحف رشيد عام 1959، وزيارته لمعالم أثرية وأمكنة تاريخية وطبيعية.