تروي مسرحية روميو وجوليت بنسختها السورية الجديدة، قصة طفل سوري، جريح حرب لاجئ في الأردن، يتبادل أطراف الحديث عبر "سكايب" مع حبيبته جولييت المحاصرة في مكان ما في محافظة حمص، وسط سورية، في عمل يسلط الضوء على معاناة السوريين بعد أكثر من أربعة أعوام من النزاع الدامي.
عُرضت المسرحية على سطح شقة في عمان، تُستخدم كمركز لعلاج وتأهيل الضحايا السوريين، حيث يعالج إبراهيم بطل المسرحية الذي يؤدّي دور روميو، الطفل ذو الـ 12 عاماً، والذي قُتلت والدته وثلاثة من إخوته في قصف النظام على ريف دمشق عام 2014، ونجت ساقه اليمنى من البتر، وخضع لثلاث عمليات جراحية وما زال ينتظر عمليتين.
تأخر عرض المسرحية ساعة كاملة، واضطر الممثلون إلى التوقف عدة مرات بسبب انقطاع الإنترنت في سورية. ارتدت جولييت (14 عاماً)، والتي لم تفصح عن اسمها الحقيقي خوفاً على حياتها، القناع، كي لا يتم التعرف عليها.
تبدأ المسرحية بالمشهد المعروف، والذي يعدّ من أشهر مشاهد الرومانسية على الإطلاق، عندما يذهب روميو إلى حديقة جولييت، ويقف تحت مخدعها ليتفقا على الزواج سراً في اليوم التالي، فيذهبان إلى القس الذي يزوجهما، اعتقاداً منه أن زواجهما سيؤدي إلى الصلح بين عائلتيهما، وإنهاء صراعهما الأبدي.
واقتبس مخرج المسرحية الممثل السوري نوار بلبل سبعة مشاهد من المسرحية الأصلية، أما المشهد الثامن والأخير فأضافه للنص، وتضمن صرخات للأطفال المحاصرين في حمص في آخر المسرحية "كفى موت، كفى دم، كفى قتل، نريد أن نعيش مثل كل باقي البشر".
كل شيء في المسرحية حقيقي، من حصار ومعاناة، إلا قصة الحب التي جمعت روميو بجولييت، فهما لا يعرفان بعضهما البعض، ولم يلتقيا إطلاقاً. يقول بلبل: "أردنا من خلال هذا العمل، تسليط الضوء على المناطق المحاصرة من قبل النظام في سورية، بعد أن عجزت كل المنظمات الإنسانية، عن إدخال الطعام والشراب والدواء للمحاصرين هناك".
ويضيف بلبل الذي تعرض لمضايقات في سورية بسبب خروجه في مظاهرات مناوئة للنظام، حيث حرم من العمل في المسرح والتلفزيون والإذاعة في القطاع العام: "تمكن أطفال لاجئون من كسر هذا الحصار المقيت البشع، والدخول إلى داخل سورية ليهزموا الحصار، لكن هذه المرة عن طريق الفن والمسرح والحب، ليصنعوا الحياة والأمل، وبالتالي المستقبل". وأوضح "أردنا أن نوجه رسالة للعالم، بأن المحاصرين ليسوا إرهابيين، بل أطفال يتعرضون للقصف والقتل والدمار، وأنهم يحبون الفن والحياة رغم الحصار".
وتابع بلبل الذي قدم العام الماضي مسرحية جمعت "الملك لير" بـ "هاملت" في مخيم الزعتري للاجئين السوريين: "إنها أول تجربة في العالم، لعرض مسرحي من خلال "السكايب". لم نستعمل "السكايب" للترف بل تحت ضغط الحاجة، إذ لم يكن أمامنا من خيار آخر للدخول إلى حمص، إلا عبر السكايب".
وحاول بلبل جاهداً اختصار زمن المسرحية الأصلية الطويلة، المليئة بالعنف والدم والقتل، ليسلط الضوء على الحب، ليكون هو الموضوع الطاغي، فأضاف قصتي حب أخريين إلى المسرحية، بين خادمي روميو وجوليت، والراوي في حمص والراوية في عمان.
ويقول إبراهيم (12 عاماً) الذي يؤدي دور روميو، والذي كان يمشي بمساعدة عكازين ومضى على وجوده في هذا المركز الطبي قرابة عشرة أشهر: "أنا سعيد جداً، لقد تعرفت على أصدقاء جدد، أطفال مثلي لم يسبق لي رؤيتهم، وهم محاصرون في حمص". وأضاف والدموع تبلل عينيه السوداوين: "سأشتاق للأطفال في حمص الذين كنت أتحدث معهم بشكل يومي على مدى شهر، تحضيراً لهذه المسرحية، آمل أن تنتهي الحرب، وأن أتمكن من لقائهم يوماً ما وجهاً لوجه".
وكان معظم جمهور المسرحية وهم بالعشرات، من جرحى الحرب السورية الذين يتعالجون في المركز وكانوا يرددون: "عاشت سورية ويسقط بشار الأسد". يقول محمد حليمة (24 عاماً)، والذي أصيب بخمس طلقات في ساقه اليسرى في مواجهات بريف دمشق قبل أكثر من عامين، ما أدى إلى قطع الأعصاب والأوردة والشرايين، وتفتت العظم، وخضع لتسع عمليات جراحية من أجل إنقاذ ساقه من البتر: "لم يعد هناك إمكانية أو فسحة لقصة حب في سورية، لقد دمرت الحرب كل شيء جميل في هذا البلد".
وأضاف وهو جالس على كرسيه المتحرك، متحسساً ساقه: "نحن الشبان أكثر ضحايا هذه الحرب المجنونة، وكل واحد منا كانت تجمعه قصة حب مع فتاة، لا نعرف اليوم أين هن وماذا حلّ بهن، وهل هنّ على قيد الحياة، أم قتلن بالحرب". وتابع حليمة الذي قضى أربعة أشهر على الحدود قبل أن يتمكن من دخول الأردن قبل 15 شهراً: "أنهكتنا الحرب ونحن متعبون جسدياً ونفسياً، ونأمل أن تنتهي حتى نعود إلى حياتنا الطبيعية، ونتمكن من مشاهدة مثل هذه المسرحيات الجميلة على المسارح، وليس على أسطح المباني".
اقرأ أيضاً:
"روميو وجولييت" عرض مسرحي سوري ينشد الحب