01 نوفمبر 2024
"زلة" السلم الأهلي
كانت الساحة اللبنانية، في الأيام القليلة الماضية، على موعد مع حالة من التوتر السياسي والأمني على خلفية تسريبات لوزير الخارجية، جبران باسيل، اعتبرت مسيئة لرئيس مجلس النواب، نبيه بري. وبما أن الطرفين يمثلان قوتين شعبيتين وطائفيتين في الداخل اللبناني، تحول الخلاف السياسي إلى ما يشبه المواجهات على الأرض، استخدمت في بعضها الأسلحة النارية، وأعاد البلاد إلى حالة الاستقطاب الإسلامي المسيحي الذي كان قائماً خلال الحرب الأهلية، وخصوصاً مع شحن العصبيات التي ظهرت على شاشات التلفاز من شبان غاضبين من هذا الطرف أو ذاك، استعيدت خلاله كل المفردات التي كانت سائدةً إبّان الاقتتال اللبناني في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته.
ليست حالة باسيل وبري هذه جديدة على الساحة اللبنانية التي تشهد، بين فترة وأخرى، توتراً على خلفيات مشابهة، سواء عبر تظاهرات وقطع طرقات، أو اعتداءاتٍ على هذه المنطقة أو تلك، على خلفياتٍ سياسيةٍ بأبعاد طائفية ومذهبية. حالات تذكّر دائماً بهشاشة السلم الأهلي اللبناني في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، وكيف أن زلةً من هنا أو خطاباً من هناك، يمكن أن يؤجج الحرب الأهلية مجدّداً، ما دام وقودها حاضراً عبر شبانٍ يمكن شحنهم ببعض العبارات ورميهم إلى التهلكة.
قد يكون تم مؤقتاً تجاوز كلام باسيل في المحفل الانتخابي الذي أقامه في منطقة البترون (شمال لبنان)، والذي تم الاتفاق على تسميته "زلّة لسان"، غير أنه كشف عن نارٍ تحت رماد الساحة اللبنانية مؤهل للاشتعال، إذا أتيحت له العوامل المناسبة، وهو ما يمكن أن يلعب عليه غير طرفٍ في المراحل المقبلة، وهو ما بدا أن إسرائيل سعت إليه بشكل مباشر عبر استغلال حالة الخصام والانقسام للتلويح مجدّداً بحرب على لبنان، مراهنة بأن التماسك الداخلي الذي كان في 2006 لم يعد ساري المفعول. ومن غير المستبعد أن تكون دولة الاحتلال تفكر بتكرار معطيات عام 1982، أو تظن أن الظروف أصبحت مواتيةً لذلك.
الأزمة الحقيقية ليست بهذا التفكير من إسرائيل أو غيرها، بل من الداخل اللبناني نفسه الذي لم يستطع خلال نحو 28 سنة من نهاية الحرب الأهلية، عبر اتفاق الطائف، أن يؤسس لحالة مواطنة حقيقية، بعيداً عن الطائفية والمذهبية والاستزلام لهذا المكون السياسي أو الديني أو ذاك. وقد يكون تعبير الاستطاعة هنا بريئاً، إذ إن الأصح القول إن الأطراف السياسية اللبنانية لم ترد تأسيس هذا النوع من المواطنة لضمان الولاء، وإبقاء القدرة على التجييش والحشد، سواء في المناسبات الانتخابية أو عند اندلاع الخلافات السياسية، ليكون الشارع بذلك سلاحاً يحصّن هذا الحزب أو ذاك من المساءلة، ويعطيه مشروعية الوجود، ونيل الحصة من الكعكة اللبنانية.
خلال السنوات الـ 28 الماضية، لم تكن فكرة تأسيس دولة ذات أولوية، بل كان الهدف تحصين الدويلات الطائفية والمذهبية التي قامت خلال الحرب الأهلية، وإعطائها الصفة الشرعية ضمن إطار محاصصةٍ في السلطة والثروة، وإبقاء الجماهير رهينة المنافع، تمهيداً لاستخدامها في المكان والزمان المناسبين، تماماً كما حدث في حالة مواجهة بري وباسيل، وما سبقها من حالات مشابهة.
هي لعبةٌ لا تزال مضبوطةً بفعل توازن القوى الداخلي والخارجي، ولأنه لا قرار لإدخال لبنان في حرب جديدة في ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة، غير أن الأمر لن يبقى مضموناً على المدى البعيد، فإن بإمكان أي "زلةٍ" أن تطيح السلم الأهلي الهش، في حال توفرت المعطيات المناسبة لذلك، وهو أمر قد يحدث.
ليست حالة باسيل وبري هذه جديدة على الساحة اللبنانية التي تشهد، بين فترة وأخرى، توتراً على خلفيات مشابهة، سواء عبر تظاهرات وقطع طرقات، أو اعتداءاتٍ على هذه المنطقة أو تلك، على خلفياتٍ سياسيةٍ بأبعاد طائفية ومذهبية. حالات تذكّر دائماً بهشاشة السلم الأهلي اللبناني في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، وكيف أن زلةً من هنا أو خطاباً من هناك، يمكن أن يؤجج الحرب الأهلية مجدّداً، ما دام وقودها حاضراً عبر شبانٍ يمكن شحنهم ببعض العبارات ورميهم إلى التهلكة.
قد يكون تم مؤقتاً تجاوز كلام باسيل في المحفل الانتخابي الذي أقامه في منطقة البترون (شمال لبنان)، والذي تم الاتفاق على تسميته "زلّة لسان"، غير أنه كشف عن نارٍ تحت رماد الساحة اللبنانية مؤهل للاشتعال، إذا أتيحت له العوامل المناسبة، وهو ما يمكن أن يلعب عليه غير طرفٍ في المراحل المقبلة، وهو ما بدا أن إسرائيل سعت إليه بشكل مباشر عبر استغلال حالة الخصام والانقسام للتلويح مجدّداً بحرب على لبنان، مراهنة بأن التماسك الداخلي الذي كان في 2006 لم يعد ساري المفعول. ومن غير المستبعد أن تكون دولة الاحتلال تفكر بتكرار معطيات عام 1982، أو تظن أن الظروف أصبحت مواتيةً لذلك.
الأزمة الحقيقية ليست بهذا التفكير من إسرائيل أو غيرها، بل من الداخل اللبناني نفسه الذي لم يستطع خلال نحو 28 سنة من نهاية الحرب الأهلية، عبر اتفاق الطائف، أن يؤسس لحالة مواطنة حقيقية، بعيداً عن الطائفية والمذهبية والاستزلام لهذا المكون السياسي أو الديني أو ذاك. وقد يكون تعبير الاستطاعة هنا بريئاً، إذ إن الأصح القول إن الأطراف السياسية اللبنانية لم ترد تأسيس هذا النوع من المواطنة لضمان الولاء، وإبقاء القدرة على التجييش والحشد، سواء في المناسبات الانتخابية أو عند اندلاع الخلافات السياسية، ليكون الشارع بذلك سلاحاً يحصّن هذا الحزب أو ذاك من المساءلة، ويعطيه مشروعية الوجود، ونيل الحصة من الكعكة اللبنانية.
خلال السنوات الـ 28 الماضية، لم تكن فكرة تأسيس دولة ذات أولوية، بل كان الهدف تحصين الدويلات الطائفية والمذهبية التي قامت خلال الحرب الأهلية، وإعطائها الصفة الشرعية ضمن إطار محاصصةٍ في السلطة والثروة، وإبقاء الجماهير رهينة المنافع، تمهيداً لاستخدامها في المكان والزمان المناسبين، تماماً كما حدث في حالة مواجهة بري وباسيل، وما سبقها من حالات مشابهة.
هي لعبةٌ لا تزال مضبوطةً بفعل توازن القوى الداخلي والخارجي، ولأنه لا قرار لإدخال لبنان في حرب جديدة في ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة، غير أن الأمر لن يبقى مضموناً على المدى البعيد، فإن بإمكان أي "زلةٍ" أن تطيح السلم الأهلي الهش، في حال توفرت المعطيات المناسبة لذلك، وهو أمر قد يحدث.