يأتي فيلم "زهرة الصبار" لهالة القوصي كتجربة جديدة في "السينما المستقلة المصرية"، التي تُنتَج وتُعرَض على هامش السوق التجارية، والتي شهدت ـ في الأعوام القليلة الماضية ـ تحقيق أكثر من فيلمٍ واحد، آخرها "أخضر يابس" لمحمد حمّاد، و"صيف تجريبي" لمحمود لطفي. هذا بخلاف أعمال أخرى، يحاول صناعها ـ ولو نظريًا ـ اكتشاف لغة سينمائية وطريقة سرد مختلفتين.
في "زهرة الصبار"، تتجلّى مشاكل عديدة خاصّة بالأفلام المستقلة في مصر. فهالة القوصي آتية من الـ"فوتوغرافيا"، ومعظم مسيرتها مرتبطٌ بكونها "فنانة بصرية"، أقامت عددًا من المعارض، وشاركت في متاحف مختلفة في العالم. الطموح المبدئي، الذي يحرّك فيلمها الأول هذا، كامنٌ في اكتشاف إمكانية ربط الفنون بعضها بالبعض الآخر. هذا جيّدٌ نظريًا. لكن، عمليًا، يبدو الفيلم مرتبكًا بشدة، في مراحله كلّها، وتظهر مخرجته غير ممتلكة أدواتها السينمائية.
في نصف الساعة الأولى، تبدأ الأحداث بشكل جيّد، نسبيًا: سيدة أرستقراطية تدعى سميحة، في السبعينيات من عمرها، تعيش في منزل قائم على سطح أحد الأبنية، برفقة عايدة، شابّة في بداية الثلاثينيات من عمرها، وتحاول إيجاد فرصة لتصبح ممثلة. بسبب سوء الأحوال المالية، وتعنّت صاحبة المنزل، تُطردان من المنزل، وتبدأان رحلة مع ياسين، الشاب الذي يحاول مساعدتهما، في شوارع القاهرة، بحثًا عن مكان تُقيمان فيه.
في تلك المرحلة، يخلق الفيلم لنفسه شكلاً وحكاية مقبولين جدًا. يبدو كأنه "فيلم طريق" في شوارع مدينة، والتنقّل يتمّ بسلاسة بين أكثر من منزل. هذا كافٍ كحبكة فيلم جيّد. صحيح أن هناك بعض المبالغة واللامنطق في طريقة خروجهما من المنزل، أو في تفاصيل أخرى، كدخول ياسين إلى الحكاية. لكن هذا لا يعيق الفيلم في تلك المرحلة، خصوصًا مع الأداء المميّز لمنحة البطراوي (جائزة أفضل ممثلة عن دورها هذا، في "مهرجان دبي السينمائي 2017")، والروح الخفيفة التي تطبع الأحداث بتلقائية لافتة للانتباه.
ما يحدث بعد ذلك، يكشف غرق هالة القوصي ـ التي لا خبرة واضحة لها في كتابة السيناريو، والتي تمتلك أفكارًا تقليدية وقديمة جدًا عن شكل المجتمع ـ في محاولةٍ ساذجةٍ للتعبير عن "هموم اجتماعية" و"لحظة سياسية مرتبكة"، تُقدّمها بشكل شديد المباشرة. المثل الأبرز على ذلك كامنٌ في مشهد طويل، تظهر فيه عايدة مع صديقة قديمة لها، تخبرها أنها تزّوجت رجلاً ثريًا، وأن "الله تاب عليها" (بخصوص رغبتها في التمثيل). كما أن الصديقة تدعو لعايدة بـ"الهداية" هي أيضًا. مشهدٌ يبدو كأنه خارجٌ من مسلسل مصري في تسعينيات القرن الـ20، بحوارٍ ركيك، وتصوّرات مصطنعة عن الشخصيات.
أمثلة أخرى: الجيران الذين يطردون سميحة من بيت آخر بـ"كاريكاتورية" مزعجة؛ والفنان المكتئب، الجالس في منزله، يغنّي للشيخ إمام؛ والكاتب السارح في ملكوته، الذي لا يريد من حبيبته شيئًا غير الجنس، ويخبرها أنه "حين يكتب، لا يريد أن يُزعجه أحدٌ"؛ والرجل الثري، الذي يرافق فتاة أصغر سنًّا منه؛ إلخ. تصوّرات قديمة لشخصيات متَدَاولة عشرات المرات سابقًا، في تجسيد حيّ لمفردة "كليشيه". نماذج مبتذلة بسبب كثرة تكرارها.
يزداد الأمر ضعفًا مع القدرات التمثيلية المحدودة لغالبية الممثلين. فباستثناء منحة البطراوي وعارفة عبد الرسول، وسلمى سامي أحيانًا، يؤدّي الآخرون أدوارهم بلا روح، بل بنطقٍ آلي لحوارٍ ضعيف.
من ناحية أخرى، تحاول هالة القوصي تقديم فواصل تجريبية وبصرية، تتخيّل فيها البطلة موقفًا أقرب إلى الحلم، أحيانًا، للتعبير عن حالتها الشعورية في تلك اللحظة. بعض الفواصل سيئ جدًا (مشهد الصديقة هند بلغته المباشرة)، وبعضها الآخر جيدٌ بحدّ ذاته، يقدّم فيه المصوّر عبد السلام موسى صورة مثيرة للانتباه. لكن، تبقى المشكلة في وجود ارتباط حقيقي بين الأحلام أو الخيالات التي نراها، والأحداث الواقعية التي تجري أمامنا.
أقرب فيلم مصري يعبّر عن محاولة هالة القوصي تلك هو "إسكندرية كمان وكمان" (1990) ليوسف شاهين، الذي قدّم فيه "اسكتشات" استعراضية تحدث في خيال المخرج (بطل الفيلم). لكن الفرق أن هناك تكاملاً وتماسًا شعوريًا في عمل شاهين بين الواقع والخيال، ووعيًا زائدًا وإدراكًا واضحًا للبطل أو المشاهد (أو لكليهما معًا) مع كل مقطع؛ بينما يبدو كلّ جزء من "زهرة الصبار" ـ باستثناء نصف الساعة الأولى منه ـ جزيرةً منعزلة عن الأخرى، ما يجعله فيلمًا لا يُعالِج شيئًا، ولا يتجاوز أي مشكلة من مشاكل السينما المستقلة المصرية.