"زواج سياحي" في مصر

30 يوليو 2016
الدفع بحسب جمال الفتاة أو المرأة(خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
"الزواج السياحي" مأساة تعيشها الكثير من الأسر الفقيرة في مصر، خصوصاً سكان محافظة الجيزة. في السنوات الأخيرة، وجدت نساء فقيرات وفتيات صغيرات أنفسهن أمهات لأطفال تخلى عنهم آباؤهم، فيما تحولنّ هن أنفسهن إلى متهمات مذنبات تلاحقهن نظرات المجتمع.
ترتفع حدّة الظاهرة خلال فترة الصيف، وسفر الكثير من الجاليات العربية إلى القاهرة، وزواجهم من مصريات زواجاً موقتاً، ثم يعودون إلى بلادهم ويتركون الزوجة.

وكان وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند قد أصدر، بهدف الحدّ من هذه الظاهرة، قراراً بإلزام طالب الزواج الأجنبي من مصرية، إيداع 50 ألف جنيه (5600 دولار أميركي) في البنك باسمها قبل الزواج منها، إذا تجاوز فارق السن بينهما 25 عاماً. وهو القرار الذي واجه هجوماً من الشعب وبعض القوى السياسية والدينية التي وصفت القرار بأنه "تجارة" بفتيات مصر، حتى وإن كان هناك عقد زواج صحيح.

وبالرغم من مظاهر رفض "الزواج السياحي" إلاّ أنّ كثيرين باتوا يستفيدون من هذه الظاهرة، في توفير نساء للسياح الآتين من دول عربية مقابل حصولهم على "أموال"، بداية من سائق التاكسي الذي يحضر "الزبون" من المطار، وصولاً إلى السماسرة من السيدات والرجال، ومكاتب المحاماة، انتهاء بالأب الفقير الذي يتوجه إلى عدد من هؤلاء الوسطاء مقابل الحصول على مبلغ مالي.

تطوّر الأمر في "الزواج السياحي" إلى حدّ أنّ وقته بات يتحدد بساعات لا أكثر، بدلاً من شهور كما كان. أما الإقامة فهي في أحد الفنادق أو الشقق المفروشة، والدفع بحسب جمال الفتاة أو المرأة. وربما "يتزوج" الثري العربي أكثر من فتاة خلال فترة سياحته في مصر. وهو ما يصفه البعض بأنّه نوع من الدعارة. وقد يصل سعر الساعة الواحدة إلى أكثر من ألف جنيه. وهناك من يفضّل البقاء لمدة أسبوع قد يصل سعره إلى أكثر من 10 آلاف جنيه (1100 دولار)، وهو ما يحبّذه الكثير من الوسطاء خصوصاً المحامين الذين يعقدون الزواج بدلاً من المأذون.

تعتبر منطقتا أبو النمرس والبدرشين الحوامدية التابعتان لمحافظة الجيزة من أهم المناطق التي ينشط فيها "الزواج السياحي". الكارثة أنّ هناك عيادات طبية في تلك المناطق تشتهر بعمليات "ترقيع (رتق) غشاء البكارة". ويجري الاتفاق على دفع كلفة إجراء الترقيع مقدماً قبل إتمام الزواج.

"العربي الجديد" تعرفت عن قرب على بعض ضحايا تلك الزيجات. تقول حنان (اسم مستعار) إنّها تزوجت الصيف الماضي من ثري عربي يكبرها بـ 15 عاماً، عن طريق أحد السماسرة، وأنّ مدة الزواج كانت ستة أشهر في شقة في إحدى المناطق الراقية. تضيف أنه خلال تلك الفترة أغدق المال عليها وعلى أسرتها، خصوصاً أنّها من أسرة فقيرة. لكنّ الزوج هرب إلى بلاده وقطع الاتصال بها. تضيف: "الكارثة اكتشافي أنّي حامل. أخذتني والدتي وشقيقتي إلى الطبيب حيث أجهضت".


بدورها، تقول الثلاثينية ليلى (اسم مستعار) من المنطقة نفسها، وهي تتميز بجمالها الواضح، إنّها تزوجت للمرة الثالثة بطريقة "الزواج الطيارة"، وهو "الزواج السياحي" الرائج في الحوامدية، بسبب الفقر. والدها ميت ولديها شقيقتان متزوجتان، بينما تعيش هي مع والدتها وحدهما. كان هناك اتفاق على مدة الزواج كلّ مرة وهي أسبوعان مع شرط عدم الحمل. تؤكد أنّ "زوجها الثالث" دائم الاتصال بها، ووعدها بأنه سيرسل إليها معارفه خلال شهر أغسطس/ آب المقبل.

أما زينب (25 عاماً، اسم مستعار) فتقول إنّ رجلاً عربياً يبلغ من العمر 62 عاماً اختارها من بين طابور من الفتيات في أحد مكاتب الزواج. أجبرها والداها على الموافقة: "كنت فتاة عذراء أتمنى أن أتزين بفستان الفرح ويزفني الأهل، لكن ما حدث كان مختلفاً. انفصل عنّي بعد أقلّ من شهر، وبتّ في نظر الجميع مطلقة بل أسوأ: متزوجة بطريقة غير شرعية. ينصحني البعض بإجراء عملية ترقيع".

في المقابل، تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتورة سهير صفوت إنّ الفشل هو عنوان تلك الزيجات. تشير إلى أنّ "العنوسة والفقر" هما الأساس الأول في انتشار "الزواج السياحي"، خصوصاً أنّ عدد الفتيات اللواتي تجاوزن الخامسة والثلاثين وصل إلى أكثر من 4 ملايين فتاة. وتؤكد أنّ نتيجة هذا النوع من الزواج أكثر من 25 ألف طفل بلا نسب.

كذلك، تنتقد الأستاذة في جامعة الأزهر الدكتورة ملك دراز صمت الحكومة على "الزواج السياحي". تؤكد أنّه يسيء إلى سمعة الفتيات المصريات، كما أنه مؤشر على تحويل شكل الزواج إلى "تجارة بالفتاة من أجل متعة السائح لا غير".