امرأة أضاعت ذاكرتها بين الثنايا المزدحمة، فنسيت من أين جاءت وإلى أين تمضي، تقف متعبة من ثقل الذاكرة وتحاول ترتيب أفكارها ما بين حكايات وخرافات ترويها. من أين تبدأ والأفكار تتزاحم في طابور طويل؟
تقف المرأة على خشبة عارية إلاّ من صندوق خشبي أحمر، وميكروفون يقف على الزاوية، تأتي بفستان عرس، نصفه أبيض والنصف الآخر أسود تجرّه خلفها فيثقل كاهلها.
تتقدّم بكامل زينتها، تحكي عن مخاض وطن بعد الثورة، حكايةٌ عمرها خمس سنوات فقط، لكن أحداثها وآلامها وأوجاعها أبعد من أن تكون مجرّد أفكار متزاحمة، إنها واقع ملموس عاشته. هذا هو المشهد العام في مونودراما "سلوان" للممثّلة والكاتبة المسرحية التونسية ليلى طوبال.
منذ حوالي سنة، بدأت عروض المسرحية التي زارت الكثير من المدن التونسية، وتزامنت عودتها إلى تونس العاصمة مع الاحتفال بالذكرى الخامسة للثورة، موعد قد يكون حاملاً لرمزيات عدّة، خصوصاً أن ما تعبّر عنه طوبال في عرضها ليس ببعيد عن متداول الأحاديث في وسائل الإعلام والفضاءات العمومية من خيبات تعيشها البلاد، لعل الاحتجاجات الأخيرة التي هزّتها يؤكّد ذلك.
تقدّم طوبال نصّاً مركّباً، تعرض من خلاله جرداً لمتناقضات اليومي وصدماته الموجعة، مستعرضة، على مدار ساعتين، ما مرّ على تونس على مدى خمس سنوات من الثورة وحتى اليوم، لتقف "وحيدة" على خشبة المسرح وتصرخ بأوجاع بلادها.
من هذه الزاوية، تبدو "سلوان" في آن محاولة بوح ومحاولة نسيان ما مرّت به تونس من أحداث مؤلمة خلال هذه السنوات، حيث تدمج طوبال الاجتماعي بالسياسي، كما تعيد النظر في مقولات المكتسبات الاجتماعية كحقوق المرأة، أو تقدّم بعضاً من أسباب تفشّي العنف والتطرّف في المجتمع التونسي.
في جزء من مسرحيّتها، تعود طوبال إلى ذكريات الصغر، جامعة من هناك شظايا من تاريخها الشخصي وتاريخ تونس داخل حكايات المدرسة وحكايات العشّاق وأول شخص أحبّته. طوال العرض، تجوب طوبال الخشبة، تتحدّث وتتحرّك يمنة ويسرة وتكاد تلامس الجمهور، وهي تراوح بين التراجيديا والسخرية.
الجمهور الحاضر لعرض "سلوان" كثيراً ما عبّر لـ طوبال عن اندماجه في نصّها. وعن هذا التفاعل الجماهيري وردود أفعال الحضور، صرّحت المسرحية التونسية لـ "العربي الجديد" أن "ردة فعل الجمهور هي ذاتها في العروض السابقة التي انطلقت منذ سنة. كان ثمّة تفاعل واضح، حتى أن الجمهور الحاضر ردّد في بعض العروض النشيد الوطني".
من هنا، تعتبر أن "العمل مسّ المتلقّي لأنه يحاكي أوجاع الناس، ويحكي بصراحة عن بعض أحلامهم المهدورة". تضيف طوبال "أتصوّر أن كل تونسي يجد في "سلوان" مرآته التي ستعكس ذكرياته وآلامه، ولكن في الوقت ذاته تدفعه إلى الحلم والثبات".