"سيلفي"

18 ابريل 2014
+ الخط -

ناسُ بيروت يبتسمون دائماً. تمرّ "فضائح" اللحوم الفاسدة والموت العبثي مرور الكرام. تنتهي هذه القصص الكثيرة بابتسامة. ألفوا روائح المجارير ومسلخ "الكرنتينا" (حيث يشتري اللبنانيون اللحوم والأسماك)، وإن كانوا يدركون مدى ضررها على صحتهم. يتحدثون عن صفقات كثيرة تُدار على حسابهم، ويضحكون. يُشغّلون "السيلفي" (صور شخصية يلتقطها الناس لأنفسهم بواسطة الكاميرا) على هواتفهم، يبتسمون، ويوثّقون فرحهم.

يشكون الغلاء ويبتسمون. يبحثون عبثاً عن شقق للسكن ويبتسمون. يموتون على أبواب المستشفيات، أو يتخمرون في سيارات الإسعاف قبل الوصول إلى المستشفى بسبب زحمة السير، ويبتسمون. يقتلون بعضهم، ويوثّقون اللحظة. حلقات من السعادة لا تنتهي. هذا الكمّ الهائل من الابتسامات وضع لبنان في المرتبة الأولى عربياً والخامسة والعشرين عالمياً، لناحية الدول الأكثر سعادة، بحسب تطبيق "جيب تاك" الذي يعمل على تحليل الصور. وجاءت هذه الخلاصة من خلال رصد أكثر من 150 مليون صورة على موقع "إنستغرام"، وإحصاء عدد وحجم الابتسامات على وجوه الأشخاص.  

اللبنانيون سعداء إذاً. هذا ما تقوله "سيلفياتهم". يواجهون شاشة الهاتف الذكي الذي يتحوّل إلى مرآة تضفي لمسات تجميلية على الصورة، فتكون "السيلفي" سعيدة. يختصرون حال مدينتهم وأحوالهم، أو يبحثون من خلالها عن سعادة يفتقدونها في الجزء الأكبر من يومياتهم.

كأن معاناة وأحلام وحياة اللبنانيين تُقاس افتراضياً. يلجؤون إلى "ابتسامات" افتراضية، هرباً من واقعٍ لا يشبهها. لكن كثرة "السيلفيات" سرقت شيئاً من رونق الصورة. طغت ربما على سعادة عفوية اعتدنا توثيقها، وإن كنا نصطنع الابتسامة في جميع الأحوال.  

حتى إن غرفة التحكم المروري الناشطة على موقع "تويتر" استغلت ابتسامة اللبنانيين هذه لتشجعهم على وضع حزام الأمان، فأطلقت حملة من خلال هاشتاغ "#rsselfie"، وطالبت الناشطين استخدام صور "السيلفي" للمشاركة من خلال شعار "صوّر حالك وأعلن التزامك بالحزام والخوذة".

حرّرت "سيلفي" اللبنانيين من مدينتهم. عكسوا من خلالها الوجه الذي يريدون، والذي لا يدوم طويلاً، لأن المدينة إما تنتصر عليهم أو ترسلهم إلى خارج حدودها. "سيلفي" تُجمّلنا، وتكذب علينا، وإن كانت تدفعنا أحياناً نحو سعادة ما.