ونقلاً عن مصادر تشارك في المفاوضات فضلت التحفظ على هويتها، أوضح كريدو أن المفاوضين الأميركيين وافقوا أخيراً على عدم تضمين مشروع الاتفاق ما يجبر إيران على الكشف عن تفاصيل أنشطتها النووية كاملة، وهو مطلب ظل الأميركيون متمسكين به على امتداد مراحل المفاوضات كإجراء احتياطي لقيام إيران بأبحاث جانبية في مواقع سرية تتعلق بصنع القنابل النووية.
اقرأ أيضاً: واشنطن و"العاصفة": تنسيق وموافقة كاملان
وحذر كريدو، الذي لم يخف ميله نحو معارضته الاتفاق المحتمل، من قيام إيران بتشغيل أجهزة الطرد المركزي في مواقع تحت الأرض بعيداً عن أعين المراقبين. ونقل كريدو، في تقريره المرسل من مقر سير المفاوضات عن خبراء لم يسمهم، قولهم إن هذا النوع من التنازلات الأميركية لطهران "قد يجعل إيران قادرة على فعل ما كانت تفعله في الماضي من مواصلة برنامجها السلمي تحت أعين الرقابة. وفي الوقت نفسه القيام بأنشطة موازية في أماكن أخرى بعيداً عن رقابة المجتمع الدولي إذا لم يتضمن الاتفاق بنوداً تسمح بالتفتيش المفاجئ لأي مرفق في أي وقت كان بدون سابق إنذار".
وأشار موفد الموقع الاخباري، الذي يغلب عليه تبني وجهات نظر الجمهوريين المعارضين لإدارة باراك أوباما، إلى أن التنازلات الأميركية تتضمن كذلك السماح لإيران بإبقاء العديد من المواقع العسكرية مغلقة أمام المفتشين الدوليين إلى أن يتم رفع العقوبات الدولية عنها نهائياً.
وتعليقاً على هذه النقطة، يرى الخبير الأميركي المستقل المختص في الشؤون الإيرانية تشارليس كافام، لـ"العربي الجديد" "أنه نظراً لأن رفع العقوبات الدولية عن إيران سيتم تدريجياً وليس دفعة واحدة، فإن هذا هو ما يبرر لإيران الإصرار على إبقاء بعض مرافقها مغلقة أمام التفتيش الدولي حتى موعد الرفع النهائي للعقوبات".
ويلفت إلى أن "الفترة الزمنية التي يطلبها المجتمع الدولي لإكمال الرفع التدريجي للعقوبات لن تكون قصيرة، وبالتالي فإن المخاطر ستظل قائمة من استغلال إيران لتلك الفترة الزمنية للقيام بأنشطة تخدم طموحها في أن تصبح قادرة على صنع القنبلة النووية".
ويرى كافام أن إيران لا يمكن أن تتخلى عن طموحها في الحصول على التكنولوجيا النووية الحربية، حتى وإن قدمت تنازلات زمنية في ما يتعلق بمشروعها القائم لتأجيل موعد صنع القنبلة وليس التخلي عنه نهائياً، موضحاً بأن التنازل الذي ستقدمه إيران من جانبها يقتصر على تعديل الطموح قليلاً من العمل على أن تصبح قوة نووية في المستقبل القريب إلى امتلاك القدرة على أن تصبح قوة نووية في أي وقت تشاء، كما هو الحال مع اليابان التي لم تصنع القنابل الذرية ولكن لديها التقنيات الكاملة التي تؤهلها لصنعها.
ويضيف المحلل الأميركي، وهو إيراني المولد ومتعاقد سابق مع الحكومة الفدرالية الأميركية "أنّ ما يهم إيران حالياً، وفقاً لتصريحات مسؤوليها، هو أن تصبح قوة إقليمية مقبولة دولياً، ومتحررة من العقوبات الاقتصادية التي تقيد حركتها".
ويلفت إلى أن "هناك شكوكاً لها ما يبررها بأن مشاركة كيري وظريف في المفاوضات لم يكن من أجل حسم القضايا الفنية التي تولى حسمها الخبراء، لكن الأمر يتعلق على الأرجح بمفاوضات سياسية جانبية بشأن ملاحق سرية أو اتفاقات منفصلة بين واشنطن وطهران ترسم طبيعة العلاقة المستقبلية بين الطرفين، ومستوى التعاون بينهما في القضايا التي تخدم المصالح المشتركة، فضلاً عن مناقشة كيفية مواجهة الضغوط القوية الداخلية والخارجية التي تتعرض لها الإدارة الأميركية الحالية لمنعها من إنجاز الاتفاق مع إيران".
ويعرب كافام عن اعتقاده بأن الجانب الإيراني يدرك حجم الصعوبة التي يواجهها أوباما وكيري في تسويق أي اتفاق محتمل مع إيران تعارضه ثلاث قوى إقليمية لا يستهان بها وهي إسرائيل والسعودية وتركيا، ولذلك فإن الإيرانيين في رأيه قد عقدوا العزم على مساعدة أوباما في إنجاز الاتفاق عن طريق تركيزهم على رفع العقوبات الأممية والأوروبية والتساهل في ما يعلق بالعقوبات الأميركية، لأن إيران لن يؤثر عليها عدم التعامل مع الشركات الأميركية إذا أصبحت أوروبا وبقية دول العالم مفتوحة أمامها. ووفقاً لكافام فإن "أوباما لا يريد التصادم مع الكونغرس في موضوع رفع العقوبات في ظل سيطرة الحزب الجمهوري وتأييد كثير من الديمقراطيين لوجهة نظر إسرائيل في موضوع إيران، ولهذا فإن الاتفاق مع إيران قد يتضمن رفع العقوبات الدولية والأوروبية بصورة أسرع وشروط أسهل من الشروط المتعلقة بالعقوبات الأميركية، ومعنى ذلك أن الكونغرس الأميركي لن يكون قادراً على التحكم بقرارات مجلس الأمن الدولي، ولن يكون بإمكانه منع التنازلات غير المباشرة التي ستمنحها إدارة أوباما لإيران فيما يتعلق بطموحها أن تصبح قوة إقليمية مطلقة اليد ومقبولة أميركياً".
ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" عن رأيه في تأثير الحملة العسكرية العربية التي تباركها واشنطن ضد أنصار إيران في اليمن على سير المفاوضات النووية، يلفت كافام إلى أن "معظم المتحدثين الرسميين يرفضون الربط بين المفاوضات الجارية والنفوذ الإيراني في اليمن، وقد اتفق معهم في ما يتعلق بالمفاوضات الرسمية التي تجري بين الخبراء والتقنيين. أما المحادثات السياسية بين فريق كيري مع الفريق السياسي من الطرف الإيراني فإنها لا بد أن تتطرق بشكل أو بآخر لمثل هذه القضايا، كونها متصلة ببعضها".
ويوضح أنه "قبل أن نتحدث عن المباركة الأميركية للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، علينا أن نتذكر أن الولايات المتحدة تقود بنفسها تحالفاً عسكرياً ضد داعش في العراق وسورية، لكنها رفضت أن تشارك ميدانياً ضد الحوثيين الموالين لإيران". ووفقاً لكافام فإن "هذا الامتناع الأميركي له مغزى ودلالة بالغة لا تنفيها المباركة".
كما يرى المحلل الأميركي أن توقيت بدء العمليات العسكرية على حلفاء إيران في اليمن يشير إلى وجود مخاوف حقيقية من الملاحق السرية المحتملة للاتفاق مع إيران، أو وجود اتفاقات منفصلة أميركية إيرانية بشأن دورها الإقليمي المرتقب. وهذا الأمر برأيه يقلق بعض دول المنطقة وفي مقدمتها السعودية، التي اعتبرت أن من مصلحتها التحرك لتحجيم النفوذ الإيراني الآتي من حدودها الجنوبية قبل أن يصبح التعاون الأميركي الإيراني أمراً واقعاً.
ويستدرك كافام قائلاً "ربما أن التحرك السعودي جاء بتنسيق مع الولايات المتحدة، استباقاً من واشنطن للقيود التي قد تفرضها على نفسها في التعامل مع النفوذ الإيراني بالمنطقة، عقب التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن مشروعها النووي، وما قد يترتب على هذا الاتفاق من ملاحق سرية أو اتفاقات أخرى جانبية لا يستبعدها كثيرون".
وعن المصلحة السياسية التي يمكن أن تحققها واشنطن من الاندفاع نحو توقيع اتفاق مع إيران لا يحظى بقبول أهم حلفائها في المنطقة، يرى كافام بأن ما يستهوي أوباما على الصعيد الخارجي هو التوجه نحو الشرق، إذ توضح تصريحاته هو شخصياً وسياساته، وكذلك ما يصدر عن مساعديه، بأنه يميل إلى الابتعاد عن الشرق الأوسط والتركيز على العلاقات مع دول الشرق الأقصى. وبناء على ذلك فإن إدارة أوباما لا تمانع أن تنوب عنها إيران في مواجهة بعض الأعداء المشتركين في المنطقة. ويمكن أن تضبط الاتفاقات التي يكون نفوذ إيران كقوة إقليمية على حساب أميركا كقوة دولية بل يكون نفوذ كل طرف داعماً للطرف الآخر على المدى الطويل، مثلما كان عليه الأمر في عهد شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي.
اقرأ أيضاً: إيران و"عاصفة الحزم": انتقاد للسعوديّة وتحركات لاحتواء الأزمة