02 نوفمبر 2024
"عاصفة الحزم" .. نقطة تحول في المنطقة
يشكل التدخل العسكري الجماعي في اليمن، والذي بدأ مع الساعات الأولى من فجر أمس الخميس نقطة تحول في المنطقة، أبرز ملامحه أن دول الخليج لن تعتصم بموقف دفاعي، يجعلها مكتوفة الأيدي أمام التطورات الخطيرة والمثيرة في اليمن. وقد سبق لمجلس التعاون الخليجي أن أعرب، بوضوح لا لبس فيه، أن أمن اليمن جزء من أمن دول المجلس ومنطقة الخليج.
لم تنتظر عشر دول، بينها خمس خليجية ومصر انعقاد القمة العربية، مثلاً، من أجل التحرك. فقد كان واضحا في الجوار اليمني أن الانقلابيين مدعومون من طرف إقليمي يسابقون الوقت للسيطرة على اليمن الذي يطل على باب المندب، ويتاخم المملكة العربية السعودية. وقبل أن يبسط هؤلاء سيطرتهم العسكرية، سارعوا إلى إجراء مناورة عسكرية بالأسلحة الثقيلة على مقربة من الحدود مع السعودية. وتلقت الرياض الرسالة، وأجابت عنها. وبإعلانه عن "عاصفة الحزم، فإن الملك سلمان بن عبد العزيز دشن عهده زعيماً قوياً لبلاده، وفي المنطقة. وقد تم التدخل بناء على طلب الشرعية اليمنية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته. وقد سبق لهادي، ووزير خارجيته رياض ياسين، أن كررا مطالبة مجلس التعاون بتدخل عسكري، لإنقاذ اليمن، وبعد قرارات متكررة لمجلس الأمن تفرض عقوبات على سياسيين يمنيين، كانوا وراء الانقلاب في البلاد. وتم التدخل بمعرفة الولايات المتحدة، ومن دون مشاركتها. وقد حرصت واشنطن، كما بدا من التطورات، على الاعتصام بسياسة حمائمية إزاء الوضع الملتهب في اليمن. ولا شك أن دولاً أخرى في صورة القرار بالتدخل، نظرا لأهميته الاستراتيجية وانعكاسه على الموازين في المنطقة.
بهذا القرار، تثبت دول الخليج أنها ليست قوة اقتصادية فحسب في المنطقة، بل هي كذلك قوة سياسية وعسكرية، يجب أن يحسب لها حساب. وأن اليمن دولة عربية مؤسس في جامعة الدول العربية، تربطها أوثق الصلات التاريخية والجغرافية بمنطقة الخليج، وبالتالي، ليس لطرف خارجي أن يقرر مصير هذا البلد، على الضد من إرادة شعبه، وبالتصادم مع الشرعية فيه، وبما يمس أمن الخليج مساساً مباشرا. وتثبت دول مجلس التعاون التي توصف بالاعتدال، وهي كذلك، باستجابتها لطلب الشرعية اليمنية بالتدخل، أن اعتدالها لا يعني ضعفاً، أو الوقوف موقف المتفرج أمام التغيير القسري الذي كان جارياً على المعادلة الاستراتيجية. وإذا كان هناك من تدخل أجنبي أو خارجي في اليمن، فهو ذاك التدخل السافر لمصلحة الانقلابيين، ودعم سطوتهم المسلحة على شعبهم، طوال الأشهر القليلة الماضية، وعلى مرأى من العالم وسمعه. لقد تم إغلاق فرص التوصل إلى أي حل سياسي للوضع اليمني مع رفض الانقلابيين الحوار، وكانت الرياض، كما الدوحة، أعربتا عن الاستعداد لاستضافة الفرقاء اليمنيين، بمن فيهم الحوثيين، من أجل حوار وطني يعيد الأمور إلى نصابها السياسي، لكن هؤلاء، وقد أخذتهم العزة بالإثم، رفضوا نداءات الحوار التي أطلقها الرئيس هادي، وواصلوا تنفيذ حلقات مخططهم الانقلابي، وبدعم مكشوف من طرف إقليمي، وواجهوا المعترضين والمحتجين من أبناء شعبهم بالغطرسة السياسية والتدليس الإعلامي، كما بالحديد والنار.
ومن دون استباق للتطورات، وهي ما زالت صباح الخميس في ذروتها العسكرية، وفي محطة البداية في الوقت نفسه، فإن هذا التطور يشي بقيام ائتلاف إقليمي جديد، يتمتع بروح المبادأة، والاعتراض الفعلي على المعادلات القائمة التي تصب لحساب طرف واحد بعينه، احترف التدخل وبسط النفوذ من وراء ظهر الشعوب. ويضمّ هذا الائتلاف خمس دول خليجية، ما عدا سلطنة عمان، ويلقى تأييداً من مصر والسودان والمغرب والأردن وباكستان، إضافة الى الولايات المتحدة. ومن المنتظر أن يلقى تأييداً من دول أخرى في المنطقة وخارجها، في غضون أيام. ومعلوم أن أرض اليمن تضم، علاوة على الانقلابيين الحوثيين، وجوداً لتنظيم القاعدة ومجموعات متطرفة أخرى، ما يجعل هذا البلد مسرحاً لمختلف مظاهر التطرف وأدواته التي تتسلط على اليمنيين، وتهدّد الملاحة الدولية ودول الجوار، وتنذر بنزاعات خطيرة تعصف بالمنطقة، لا يعلم أحدٌ مداها. ومن شأن عملية عاصفة الحزم تحجيم نفوذ تلك الجماعات الخارجة على إرادة الشعب، والتي يتغذى وجودها على بعضها بعضا.
ويسع المرء الاستنتاج، ومن دون تسرع، أن التراجع عن الانقلاب في اليمن، وتسليم الأسلحة والمعسكرات والمعدات المنهوبة، وكل أملاك الدولة ومرافقها، إلى الشرعية، وعودة الحكومة إلى عملها في صنعاء، وكذلك عودة مجلس النواب المنتخب إلى ممارسة نشاطه، وزوال الظاهرة الحوثية المسلحة، من شأنه أن يُقصّر أمد العملية العسكرية القائمة ويضيّق نطاقها، ويفتح أفقاً لتطبيع الوضع الداخلي، ولحلول الأمن والسلام فيه. وبهذا، فإن الأمر منوط، في جانبٍ منه، بتراجع الفئة الانقلابية عن نهجها إلى غير رجعة، والكفّ عن الاستقواء على شعبهم بطرف خارجي، ولجم تهديدها دول الجوار، ووقف الاستنزاف الذي ما انفك يتعرض له هذا البلد، منذ تم الانقلاب على العملية السياسية، والمبادرة الخليجية التي ارتضاها السواد الأعظم من اليمنيين، ونالت مباركة إقليمية دولية على أوسع نطاق، بما في ذلك مجلس الأمن الذي وصفه زعيم الحوثيين بأنه مجلس الاستبداد.
ولا ريب، الآن، أن عهداً جديدا يومئ بالتبلور والولادة في المنطقة، مع ما تشهده اليمن من تصحيح للخلل فيها، ومن تدارك للانزلاق إلى المجهول، ومن تمكين طرف أجنبي التحكم بمقدرات هذا البلد، وتقرير مصيره.
ومن المفارقات التي سيتوقف عندها الساسة والمحللون أن المملكة السعودية التي توصف بالزعامة المحافظة هي الزعامة التي بادرت للتحرك من خلال عاصفة الحزم، لاحترام إرادة الشعب اليمني، كما عبّر عنها في ثورة فبراير 2011، وما انتهت إليه الثورة من توافق على العملية السلمية.
أما القمة العربية المقرر انعقادها في شرم الشيخ، غداً 28 مارس/آذار الجاري، فليس معلوماً إن كانت ستعقد في هذا الموعد أم لا، في ضوء هذا التطور النوعي، وأيا كان الأمر، فإن العملية العسكرية الجارية، بحد ذاتها، تفوق، في أهميتها وآثارها، انعقاد قمم عديدة، لا قمة واحدة.
لم تنتظر عشر دول، بينها خمس خليجية ومصر انعقاد القمة العربية، مثلاً، من أجل التحرك. فقد كان واضحا في الجوار اليمني أن الانقلابيين مدعومون من طرف إقليمي يسابقون الوقت للسيطرة على اليمن الذي يطل على باب المندب، ويتاخم المملكة العربية السعودية. وقبل أن يبسط هؤلاء سيطرتهم العسكرية، سارعوا إلى إجراء مناورة عسكرية بالأسلحة الثقيلة على مقربة من الحدود مع السعودية. وتلقت الرياض الرسالة، وأجابت عنها. وبإعلانه عن "عاصفة الحزم، فإن الملك سلمان بن عبد العزيز دشن عهده زعيماً قوياً لبلاده، وفي المنطقة. وقد تم التدخل بناء على طلب الشرعية اليمنية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته. وقد سبق لهادي، ووزير خارجيته رياض ياسين، أن كررا مطالبة مجلس التعاون بتدخل عسكري، لإنقاذ اليمن، وبعد قرارات متكررة لمجلس الأمن تفرض عقوبات على سياسيين يمنيين، كانوا وراء الانقلاب في البلاد. وتم التدخل بمعرفة الولايات المتحدة، ومن دون مشاركتها. وقد حرصت واشنطن، كما بدا من التطورات، على الاعتصام بسياسة حمائمية إزاء الوضع الملتهب في اليمن. ولا شك أن دولاً أخرى في صورة القرار بالتدخل، نظرا لأهميته الاستراتيجية وانعكاسه على الموازين في المنطقة.
بهذا القرار، تثبت دول الخليج أنها ليست قوة اقتصادية فحسب في المنطقة، بل هي كذلك قوة سياسية وعسكرية، يجب أن يحسب لها حساب. وأن اليمن دولة عربية مؤسس في جامعة الدول العربية، تربطها أوثق الصلات التاريخية والجغرافية بمنطقة الخليج، وبالتالي، ليس لطرف خارجي أن يقرر مصير هذا البلد، على الضد من إرادة شعبه، وبالتصادم مع الشرعية فيه، وبما يمس أمن الخليج مساساً مباشرا. وتثبت دول مجلس التعاون التي توصف بالاعتدال، وهي كذلك، باستجابتها لطلب الشرعية اليمنية بالتدخل، أن اعتدالها لا يعني ضعفاً، أو الوقوف موقف المتفرج أمام التغيير القسري الذي كان جارياً على المعادلة الاستراتيجية. وإذا كان هناك من تدخل أجنبي أو خارجي في اليمن، فهو ذاك التدخل السافر لمصلحة الانقلابيين، ودعم سطوتهم المسلحة على شعبهم، طوال الأشهر القليلة الماضية، وعلى مرأى من العالم وسمعه. لقد تم إغلاق فرص التوصل إلى أي حل سياسي للوضع اليمني مع رفض الانقلابيين الحوار، وكانت الرياض، كما الدوحة، أعربتا عن الاستعداد لاستضافة الفرقاء اليمنيين، بمن فيهم الحوثيين، من أجل حوار وطني يعيد الأمور إلى نصابها السياسي، لكن هؤلاء، وقد أخذتهم العزة بالإثم، رفضوا نداءات الحوار التي أطلقها الرئيس هادي، وواصلوا تنفيذ حلقات مخططهم الانقلابي، وبدعم مكشوف من طرف إقليمي، وواجهوا المعترضين والمحتجين من أبناء شعبهم بالغطرسة السياسية والتدليس الإعلامي، كما بالحديد والنار.
ومن دون استباق للتطورات، وهي ما زالت صباح الخميس في ذروتها العسكرية، وفي محطة البداية في الوقت نفسه، فإن هذا التطور يشي بقيام ائتلاف إقليمي جديد، يتمتع بروح المبادأة، والاعتراض الفعلي على المعادلات القائمة التي تصب لحساب طرف واحد بعينه، احترف التدخل وبسط النفوذ من وراء ظهر الشعوب. ويضمّ هذا الائتلاف خمس دول خليجية، ما عدا سلطنة عمان، ويلقى تأييداً من مصر والسودان والمغرب والأردن وباكستان، إضافة الى الولايات المتحدة. ومن المنتظر أن يلقى تأييداً من دول أخرى في المنطقة وخارجها، في غضون أيام. ومعلوم أن أرض اليمن تضم، علاوة على الانقلابيين الحوثيين، وجوداً لتنظيم القاعدة ومجموعات متطرفة أخرى، ما يجعل هذا البلد مسرحاً لمختلف مظاهر التطرف وأدواته التي تتسلط على اليمنيين، وتهدّد الملاحة الدولية ودول الجوار، وتنذر بنزاعات خطيرة تعصف بالمنطقة، لا يعلم أحدٌ مداها. ومن شأن عملية عاصفة الحزم تحجيم نفوذ تلك الجماعات الخارجة على إرادة الشعب، والتي يتغذى وجودها على بعضها بعضا.
ويسع المرء الاستنتاج، ومن دون تسرع، أن التراجع عن الانقلاب في اليمن، وتسليم الأسلحة والمعسكرات والمعدات المنهوبة، وكل أملاك الدولة ومرافقها، إلى الشرعية، وعودة الحكومة إلى عملها في صنعاء، وكذلك عودة مجلس النواب المنتخب إلى ممارسة نشاطه، وزوال الظاهرة الحوثية المسلحة، من شأنه أن يُقصّر أمد العملية العسكرية القائمة ويضيّق نطاقها، ويفتح أفقاً لتطبيع الوضع الداخلي، ولحلول الأمن والسلام فيه. وبهذا، فإن الأمر منوط، في جانبٍ منه، بتراجع الفئة الانقلابية عن نهجها إلى غير رجعة، والكفّ عن الاستقواء على شعبهم بطرف خارجي، ولجم تهديدها دول الجوار، ووقف الاستنزاف الذي ما انفك يتعرض له هذا البلد، منذ تم الانقلاب على العملية السياسية، والمبادرة الخليجية التي ارتضاها السواد الأعظم من اليمنيين، ونالت مباركة إقليمية دولية على أوسع نطاق، بما في ذلك مجلس الأمن الذي وصفه زعيم الحوثيين بأنه مجلس الاستبداد.
ولا ريب، الآن، أن عهداً جديدا يومئ بالتبلور والولادة في المنطقة، مع ما تشهده اليمن من تصحيح للخلل فيها، ومن تدارك للانزلاق إلى المجهول، ومن تمكين طرف أجنبي التحكم بمقدرات هذا البلد، وتقرير مصيره.
ومن المفارقات التي سيتوقف عندها الساسة والمحللون أن المملكة السعودية التي توصف بالزعامة المحافظة هي الزعامة التي بادرت للتحرك من خلال عاصفة الحزم، لاحترام إرادة الشعب اليمني، كما عبّر عنها في ثورة فبراير 2011، وما انتهت إليه الثورة من توافق على العملية السلمية.
أما القمة العربية المقرر انعقادها في شرم الشيخ، غداً 28 مارس/آذار الجاري، فليس معلوماً إن كانت ستعقد في هذا الموعد أم لا، في ضوء هذا التطور النوعي، وأيا كان الأمر، فإن العملية العسكرية الجارية، بحد ذاتها، تفوق، في أهميتها وآثارها، انعقاد قمم عديدة، لا قمة واحدة.