سنة 1993، أطل الفنان الأميركي الشهير "برنس" (1958 ــ 2016) في إحدى حفلاته، وقد كتب على وجهه كلمة "عبد" Slave، معلناً فتح المعركة مع شركة "وورنر بروذرز" المسؤولة عن تسجيل ألبومه الجديد. المعركة التي استمرت حتى العام 1996، وخاض خلالها برنس مواجهات شرسة مع الشركة، اتهمها خلالها باستعباده، من خلال حصولها على نسب كبيرة من الأرباح التي يجنيها، إلى جانب، امتلاكها حق التصرف بأغانيه حتى من دون موافقته. كان ذلك قبل 26 عاماً، انتهى الصراع بتوقيع الطرفين على عقد تسجيل وتوزيع جديد، أصدر خلاله برنس مجموعة من الألبومات. في تلك الفترة نفسها كان الفنان البريطاني الشهير جورج مايكل يحاول بدوره إنهاء تعاقده مع شركة "سوني" التي كانت تسجل وتوزع أعماله، بعدما وصف العقد معها بـ"العبودية المحترفة". اليوم، لا يبدو الوضع مختلفاً رغم تطور عقود التسجيل، والتوزيع، والإنتاج التي يوقعها الفنانون، وحصول منصات بثّ الموسيقى على الإنترنت، على الحيز الأكبر من نسب الاستماع في ظل تراجع دراماتيكي لبيع الألبومات. فقبل أيام قليلة، فتحت أشهر المغنيات في العالم حالياً، تايلور سويفت (29 عاماً) حرباً مع شركة "بيغ ماشين ريكوردز"، إذ نشرت مقالا مطولاً على موقعها الإلكتروني تشرح فيه ما سبق أن قاله "برنس" قبل 26 عاماً، عن عدم ملكية الفنان لأغانيه وألبوماته، وعن أنواع العبودية المهنية التي يواجهها الفنان من خلال العقود التي يوقعها مع شركات التسجيل.
وكانت سويفت قد وقعت قبل 14 عاماً ــ عندما كانت مجرد مغنية مراهقة ومغمورة ــ عقداً مع شركة "بيغ ماشين ريكوردز" وبعد ست ألبومات أصدرتها وحققت نجاحاً مبهراً انتقلت في العام 2018 لتوقع مع شركة "يونيفرسال". لكن هل انتهت بذلك علاقة سويفت مع "بيغ ماشين ريكوردز"؟ الجواب طبعاً هو لا، خصوصاً أن صاحب الشركة قرر أخيراً بيع كل الأسهم لمجموعة "إيثاكا هولدينغز". وبالتالي باتت ألبومات سويفت الستة السابقة وكل تسجيلاتها ملكاً للشركة الجديدة، وكل أرباح البيع والبث الإلكتروني تعود للشركة الجديدة، في ما شبهه مقربون لسويفت نقلاً عنها في حديث مع "فايننشال تايمز" بالعبودية المبطنة.
لكن نسب الأرباح المرتفعة، وملكية الأعمال الموسيقية بعد صدورها، ليست مشكلة الفنانين الوحيدة مع شركات التسجيل. بل إن أغلب العقود الموقعة تكون مدتها طويلة، وتمنح تلقائياً الشركة حق فرض رأيها على الفنان لناحية نوع الموسيقى التي يقدمها، وذلك بالنظر إلى المردود المادي فقط لا غير. وهذه الإشكالية غالباً ما تؤدي إلى محاصرة الفنان بلون أو genre (نوع) موسيقي واحد، يمنعه من التوسع. ونادراً ما ينجح الفنانون في فك هذه العقد حتى عند وصولهم إلى طرقات مسدودة تماماً لجهة التعاون مع الشركة.
أبرز هذه الأمثلة، قضية المغنية الأميركية كيشا التي بدأت مسيرتها الغنائية رسمياً في سنّ الثامنة عشرة أي عام 2005، عندما وقعت عقدها الأول مع شركة المنتج لوكاس غوتوالد، المعروف بـ Dr Luke، والتي تملكها شركة "سوني للترفيه الموسيقي". بعد عشر سنوات من العمل مع "دكتور لوك"، رفعت كيشا دعوى فضائية عام 2015 لفك العقد مع الشركة
متهمةً لوك باغتصابها بشكل متكرر منذ كان عمرها تسعة عشر عاماً، والتحرّش بها جنسياً. وتقول كيشا إن اعترافها، ولو أن عمره عشر سنوات، جاء في وقت لم تعد تحتمل فيه مواجهة المعتدي عليها، ولا السكوت عمّا حصل معها، وباتت مسيرتها الغنائية مهددة. نفى المنتج حصول الاعتداء، وادعى أنّ المغنية تفتعل المشاكل للاستفادة من عائدات إبطال العقد المالية، أو لتبرير وصول مسيرتها إلى ركود مهنيّ، ويقول إنه استثمر حوالى 60 مليون دولار في مسيرتها الغنائية بالإضافة إلى "غياب الأدلة الطبية على أي اعتداء". الحجج السابقة كانت كافية لتحكم القاضية برفض طلب إبطال العقد.
اقــرأ أيضاً
قبل كيشا، حاول مايكل جاكسون سنة 2002، الهروب من عقده الموقع مع شركة "سوني"، فاتهمها في ذلك العام بالتعامل بعنصرية مع الفنانين من أصحاب البشرة السوداء، وأكد أن هذا هو السبب الذي جعلها لا تروّج لألبومه الصادر قبلها بعام Invincible. لكن هذه الاتهامات لم تكن كافية لفك العقد بين الطرفين. صعّد "ملك البوب" لهجته، متهماً الشركة اليابانية باستعباد الفنانين السود، من خلال الأرباح الضئيلة التي تُعطى لهم، مقارنة بالمبالغ الضخمة التي تجنيها من أعمالهم وألبوماتهم.
يحفل التاريخ الحديث بمواجهات من هذا النوع، وتتكرر بشكل مستمر كلمة "عبودية" في وصف العلاقة بين شركات التسجيل والفنانين. لكن حالةً واحدة قد تكون نجحت في كسر هذا "الاستعباد". وكان ذلك سنة 2015، عندما حكمت القاضية كريستينا سنايدر لصالح الفنان الأميركي دكتور دري، في الدعوى التي رفعها ضد شركة Death Row Records مطالباً بتقاضي أرباح عن المبيعات الرقمية لألبومه The Chronic الصادر سنة 1992. وكان العقد بين دري والشركة يعطيه نسبة من أرباح مبيعات الألبوم وفق العقد الموقع بينهما مطلع التسعينات. ومع انتشار المبيعات الرقمية، تجاهلت الشركة حقوق الفنان، وهو ما دفعه لرفع دعوى قضائية والحصول على حكم قضى بحقه الحصول على كل الأرباح العائدة من البيع أونلاين.
لكن نسب الأرباح المرتفعة، وملكية الأعمال الموسيقية بعد صدورها، ليست مشكلة الفنانين الوحيدة مع شركات التسجيل. بل إن أغلب العقود الموقعة تكون مدتها طويلة، وتمنح تلقائياً الشركة حق فرض رأيها على الفنان لناحية نوع الموسيقى التي يقدمها، وذلك بالنظر إلى المردود المادي فقط لا غير. وهذه الإشكالية غالباً ما تؤدي إلى محاصرة الفنان بلون أو genre (نوع) موسيقي واحد، يمنعه من التوسع. ونادراً ما ينجح الفنانون في فك هذه العقد حتى عند وصولهم إلى طرقات مسدودة تماماً لجهة التعاون مع الشركة.
أبرز هذه الأمثلة، قضية المغنية الأميركية كيشا التي بدأت مسيرتها الغنائية رسمياً في سنّ الثامنة عشرة أي عام 2005، عندما وقعت عقدها الأول مع شركة المنتج لوكاس غوتوالد، المعروف بـ Dr Luke، والتي تملكها شركة "سوني للترفيه الموسيقي". بعد عشر سنوات من العمل مع "دكتور لوك"، رفعت كيشا دعوى فضائية عام 2015 لفك العقد مع الشركة
متهمةً لوك باغتصابها بشكل متكرر منذ كان عمرها تسعة عشر عاماً، والتحرّش بها جنسياً. وتقول كيشا إن اعترافها، ولو أن عمره عشر سنوات، جاء في وقت لم تعد تحتمل فيه مواجهة المعتدي عليها، ولا السكوت عمّا حصل معها، وباتت مسيرتها الغنائية مهددة. نفى المنتج حصول الاعتداء، وادعى أنّ المغنية تفتعل المشاكل للاستفادة من عائدات إبطال العقد المالية، أو لتبرير وصول مسيرتها إلى ركود مهنيّ، ويقول إنه استثمر حوالى 60 مليون دولار في مسيرتها الغنائية بالإضافة إلى "غياب الأدلة الطبية على أي اعتداء". الحجج السابقة كانت كافية لتحكم القاضية برفض طلب إبطال العقد.
قبل كيشا، حاول مايكل جاكسون سنة 2002، الهروب من عقده الموقع مع شركة "سوني"، فاتهمها في ذلك العام بالتعامل بعنصرية مع الفنانين من أصحاب البشرة السوداء، وأكد أن هذا هو السبب الذي جعلها لا تروّج لألبومه الصادر قبلها بعام Invincible. لكن هذه الاتهامات لم تكن كافية لفك العقد بين الطرفين. صعّد "ملك البوب" لهجته، متهماً الشركة اليابانية باستعباد الفنانين السود، من خلال الأرباح الضئيلة التي تُعطى لهم، مقارنة بالمبالغ الضخمة التي تجنيها من أعمالهم وألبوماتهم.
يحفل التاريخ الحديث بمواجهات من هذا النوع، وتتكرر بشكل مستمر كلمة "عبودية" في وصف العلاقة بين شركات التسجيل والفنانين. لكن حالةً واحدة قد تكون نجحت في كسر هذا "الاستعباد". وكان ذلك سنة 2015، عندما حكمت القاضية كريستينا سنايدر لصالح الفنان الأميركي دكتور دري، في الدعوى التي رفعها ضد شركة Death Row Records مطالباً بتقاضي أرباح عن المبيعات الرقمية لألبومه The Chronic الصادر سنة 1992. وكان العقد بين دري والشركة يعطيه نسبة من أرباح مبيعات الألبوم وفق العقد الموقع بينهما مطلع التسعينات. ومع انتشار المبيعات الرقمية، تجاهلت الشركة حقوق الفنان، وهو ما دفعه لرفع دعوى قضائية والحصول على حكم قضى بحقه الحصول على كل الأرباح العائدة من البيع أونلاين.
عند صدور هذا الحكم، نشرت مقالات كثيرة اعتبرته فاتحة خير لإمكانية إصلاح متوقع للعلاقة بين الفنانين وشركات التسجيل. لكن يبدو أن ذلك لم يكن إلا استثناءً، فها هم نجوم الجيل الجديد، يعيدون فتح المعركة من جديد، وما تصريحات تايلور سويفت إلا بداية لمعركة ممكنة، إن اندلعت ستكون تفاصيلها هذه المرة أكثر تعقيداً من كل المعارك السابقة، وذلك لأسباب كثيرة بينها تحول صناعة الموسيقى إلى صناعة بمليارات الدولارات، وانتقالها إلى منصات بثّ تبدأ بأميركا وتمتد على طول الكوكب.