"حلمتُ بالأمس أنني كنت أطير في شوارع بيروت (...) كنتُ كاميرتي وجسدي وعيني وكلّي، كنتُ شخصاً واحداً بعدسة (...) سألتَني كيف كانت.. أخبرتُك أنَّ الشعور يشبه كل شيء فيها، هل تعتقد أن الأماكن تعلق في الزمن حين نتركها؟"، هذه الكلمات من عرضٍ أدائي سينمائي تحت عنوان "على شاطئ عكا" أنجزته الفنّانة اللبنانية أمامة حميدو، بالشراكة مع مغنّي الراب الفلسطيني طارق الجزّار.
يتضمّن العمل قراءةً حيّة لنص يؤدّيه حميدو والجزار، وفيه مراوحة بين الفيلم والأداء الصوتي والراب، ويُقدَّم في "غاليري موزاييك روومز" عند السابعة من مساء غدٍ السبت، ضمن "مهرجان إميرج" الذي تتواصل فعالياته حتى نهاية الشهر الجاري، في خمسين فضاءً في لندن؛ من بينها "متحف التاريخ الطبيعي"، و"باربيكان"، و"متحف الشوكولاتة".
تعيش حميدو "على الحدود بين العديد من الأماكن وفي أي مكان"، كما تصف نفسها في العمل. ومن خلال تنويع المحامل الفنّية بين صور وقراءة صوتية وأفلام وغناء، تتعامل مع تجارب الفقد والشوق والذكرى. بدأ مشروع "على شاطئ عكا"، وفق ما تقوله في حديثها إلى "العربي الجديد"، عندما شرعَت في تسجيل محادثاتها مع صديقها القديم طارق الجزار، أو "جاز" كما يناديه البعض، مغنّي الراب الذي نشأ في مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيّين في ضواحي بيروت. تضيف: "محادثات طويلة دارت بيننا وجولات قمنا بها معاً في لندن التي كنّا قد وصلنا إليها حديثاً".
بعد ذلك، لن يعود كل منهما إلى بلاده لسبب خاص. وصل جاز عام 2013 وحصل مباشرةً على وضعه كلاجئ في المملكة المتّحدة، ومكث فترة في مستشفى للأمراض النفسية في لندن، بعد تشخيص إصابته بمرض انفصام الشخصية في لبنان. أمّا حميدو فتروي: "كنت طالبة في جامعة غولدسميث أدرس الأداء وأطلب حقّ اللجوء وكنت، وما زلت، أنتظر سماع قرار من الهوم أوفيس (مصلحة الهجرة)".
وحول تبلور فكرة العمل المشترك، تقول: "في البداية لم أكن أعرف ما الذي كنتُ أقوم به، لكنني أتذكّر أنني كنت متحمّسةً جداً لتوثيق لقائي مع جاز، والوقت الذي قضيناه معاً والأماكن التي مررنا بها في المدينة الجديدة. نعيش في حالة من الفوضى؛ إذ لسنا تماماً هنا ولسنا هناك، مثل العيش في فجوة. ولذا أردت تحويل هذه الفجوة إلى عمل فني".
أنشأ الجزّار مجموعة راب في مخيّم برج البراجنة، واهتمّت حميدو بمضامين أغانيه وبما تسمّيه "فلسفة الحياة" التي طوّرها لنفسه كلاجئ فلسطيني. وخلال التحوّلات التي مر بها الاثنان في وقت واحد، وثّقت حميدو صداقتهما، وركّزت على شخصيته وأرادت الاشتغال على صورة له باعتباره شبحاً في المدينة. تقول في نهاية حديثها إلى "العربي الجديد": "في الأثناء، أصبحت مهووسة بتصوير الجسور ووسائل النقل المختلفة مثل القطارات والطائرات. إنه مثل توثيق أنفسنا في المدينة، وتوثيق المدينة من خلال نظرتنا".