تردد اسم الفلسطيني بلال بدر طوال سنوات في أرجاء مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان، وفي أروقة المحكمة العسكرية الدائمة في العاصمة بيروت. وهو المطلوب بعشرات الجرائم بين اغتيال مسؤولين في الفصائل الفلسطيينة ومتعاونين مع الأجهزة الأمنية، والاعتداء على مراكز الجيش اللبناني في مدينة صيدا، وتحضير عبوات ناسفة، والتواصل مع مجموعات إسلامية مُتشددة في سورية. مع ذلك تبدو المرحلة المقبلة في المخيم مقلقة، في ظلّ استفحال خلافات بين نائب قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء منير المقدح، والقيادي المنشق عن حركة "فتح"، محمود عيسى، المعروف بـ"اللينو".
ولطالما شكّل الحل السياسي مدخلاً لمجموعة قوى وفصائل فلسطينية عملت على خط التهدئة بين مجموعة بلال بدر من جهة، وبين "حركة فتح"، وجماعة محمود عيسى "اللينو"، الرجل القوي المؤيد للقيادي الأمني المطرود من الحركة، محمد دحلان. وكانت الاتصالات كفيلة بوقف الاشتباكات المُتكررة التي اندلعت بين الطرفين، وأعنفها عام 2015 بعد اغتيال القيادي الفتحاوي، قائد "كتيبة شهداء شاتيلا"، طلال البلاونة (طلال الأردني) على يد ملثمين في المخيم. لتنطلق خلال تشييعه جولة اشتباكات عنيفة، بعد اتهام قائد "الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان" اللواء صبحي أبو عرب، لبلال بدر بالتخطيط وإعطاء الأمر باغتيال الأردني. وكرّت بعد هذه العملية سبحة العمليات الأمنية التي نفّذها ملثمون في المخيم ضد مراكز لـ"فتح" و"اللينو"، بينهما محاولات اغتيال جديدة.
أثقلت هذه العمليات وما تلاها من اشتباكات على علاقة المخيم بمحيطه اللبناني على مختلف الأصعدة، وفشل طرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال زيارته إلى لبنان في فبراير/شباط الماضي، بتسليم أمن المخيم إلى الجيش اللبناني. فكان قرار الفصائل الفلسطينية إعادة تشكيل قوة مشتركة جديدة تتولى مسؤولية أمن المخيم، بعد انفراط عقد القوة السابقة باستقالة عمودها الفقري المتمثل في القادة والعناصر المنتمين لـ"حركة فتح". وهي استقالة وضعتها مصادر فلسطينية متابعة في إطار "الخلافات السياسية والمالية بين أجنحة حركة فتح، والتي تقدمت على أولوية حماية أمن المخيم". وبعد جولة اشتباكات عنيفة الشهر الماضي، تقرر إطلاق القوة الجديدة بعد أن تصاعدت حدة الاشتباكات، وكسر المقاتلون أعرافاً سابقة لجهة نوع السلاح المُستخدم واقتحام المراكز التربوية والصحية الموجودة لخدمة أهالي المخيم، وبعضها تابع لـ"وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا). وترافق قرار تشكيل القوة مع توافق فلسطيني جمع فصائل منظمة التحرير، مع الفصائل الإسلامية المعتدلة كـ"الحركة الإسلامية المجاهدة"، و"عصبة الأنصار"، و"حركة المقاومة الإسلامية" (حماس)، على منح القوة صلاحيات كاملة لضبط الأمن في المخيم. وتولى مسؤولون في الحركة الإسلامية والعصبة نقل بنود التوافق إلى بلال بدر الذي يتمركز من مجموعته التي لا يزيد عدد مقاتليها عن 50 شخصاً، بحسب معلومات أمنية لبنانية.
استغرق تشكيل القوة نحو الشهر وتألفت من 100 عنصر وضابط بقيادة عقيد من "حركة فتح"، وباشرت انتشارها بعد ظهر يوم الجمعة، لتُقابل بإطلاق نار وقذائف صاروخية في الهواء من مجموعة بدر، بحجة "كشف نقاط انتشارها لمراكز أمنية في حي الطيري (معقل بدر)".
وأكدت مصادر فلسطينية لـ"العربي الجديد" أن "مختلف الأطراف المعنية (القوة المشتركة، وحركة فتح، واللينو، ومجموعة بلال بدر) كانت جميعها في حالة استنفار قصوى خلال الانتشار الذي كان واضحاً أنه لن يكون تقليدياً، وأن القوة ستتحرك لضبط الأمن وتوقيف أي مُخل بالأمن في المخيم".
وسرعان ما ترجم هذا الاستنفار باندلاع اشتباك بدا وكأنه استئناف للجولة السابقة، فارتفعت أصوات القذائف الصاروخية مباشرة من دون تمهيد بالأسلحة الخفيفة كما كان يحدث في مرات سابقة. كذلك تميّزت الجولة الحالية بمشاركة مُختلف الفصائل الفلسطينية في الاشتباك مع مجموعة بلال بدر عبر عناصرها المشاركين في القوة الأمنية، بعد أن كانت الاشتباكات السابقة محصورة بين بدر وبين "اللينو" و"فتح". وأدت حدة الاشتباكات إلى سقوط قتيلين على الأقلّ ونحو 17 جريحاً بين مدني ومقاتل. كذلك تحدثت مصادر عن تسجيل إصابات غير محددة بعد بين مقاتلي بدر. وفي وقت استمرت حالة الكر والفر بين الأحياء التي تنتشر فيها "القوة المشتركة" وحي الطيري طوال نهار السبت، سُجّل انكفاء مجموعات إسلامية أخرى عن مساندة بلال بدر في معركته. وهي مجموعات قليلة العدد تدور في فلك "تنظيم القاعدة" و"الدولة الإسلامية" (داعش). وترجع مصادر فلسطينية هذا الانكفاء إلى "عدم التفات عناصر داعش والقاعدة والنصرة إلى الأحداث الداخلية في المخيم، والذي يشكل قاعدة لوجستية لهم يستخدمونه لتجنيد مقاتلين والتخطيط لعمليات في سورية".
وقد بادرت السلطات اللبنانية إلى تسليم الرئيس الفلسطيني محمود عباس قائمة بالمطلوبين في المخيم تضم "بين 40 و50 عنصراً من جماعة جند الشام الموجودين في منطقة الطوارئ وأبرزهم هيثم الشعبي، ومحمد الشعبي، وجمال رميض، و50 عنصراً من جماعة فتح الإسلام، أبرزهم أسامة الشهابي، وبلال بدر، وأبو جمرة الشريدي، و12 من أنصار تنظيم القاعدة، إضافة إلى المطلوب اللبناني شادي المولوي".
وسبق لهذه القوى أن تكتّلت في إطار "تجمع الشباب المسلم" الذي رفضته مختلف القوى الفلسطينية، ووافق بدر على حله بعد ضغوطات من "عصبة الأنصار" و"الجماعة الإسلامية المجاهدة". ومع استمرار قرار الحسم العسكري يبدو أن بلال بدر سيصبح خارج معادلة مخيم عين الحلوة، وهو ما سيمسح باستئناف تنفيذ قرارت القيادة السياسية للفصائل الفلسطينية في لبنان ومنها خروج المطلوبين اللبنانيين من المخيم، واستكمال انتشار القوة المشتركة في كافة الأحياء.
مع ذلك، لا تعني عملية الحسم، والذي تصرّ عليه مختلف القوى الفاعلة في المخيم، ضد مجموعة بلال بدر، خاتمة معارك المخيم. كما أن حجم العتاد المُستخدم يوحي بأن مستقبل عين الحلوة يتوقف على ما سيحصل في العلاقة بين نائب قائد القوة الأمنية المشتركة في لبنان اللواء منير المقدح و"اللينو"، وخصوصاً أن الأخير أمّن وصول زوجة دحلان، جليلة، منذ أسابيع وتأمين جولتها في المخيم، بموازاة زيارة عباس لبيروت.
ووسط إعلان مسؤول "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" في لبنان رامز مصطفى بأن "هناك قراراً فلسطينياً واضحاً بإنهاء المربعات الأمنية في المخيم"، وإعلان قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب أن "الأمور تتجه إلى الحسم"، بات مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستُترجم بمحاولات للسيطرة على المخيم، بين المقدح و"اللينو". ولا يُخفى على أحد الخلاف الطويل بين الرجلين، واللذين يخوضان معركة مشتركة ضد "العدو المشترك" في عين الحلوة حالياً، قبل العودة إلى تصفية الحسابات بينهما. مع العلم أنه تردّدت معلومات عن حصول توتر جديد بين الرجلين أمس، على خلفية العمليات الجارية في المخيم.
في غضون ذلك، وعلى الرغم من إعلان المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم أن "عين الحلوة لن يكون نهر البارد الجديد (في إشارة إلى مخيم نهر البارد في شمال لبنان، الذي تمّ تهجيره وتدمير على وقع المعارك بين الجيش اللبناني ومجموعة فتح الإسلام عام 2007)"، إلا أن أصوات سياسية عدة في الداخل اللبناني، لا تزال تسوّق لاحتمال تحوّل عين الحلوة لنهر بارد ثانٍ في أدبياتهم المرتبطة بالمخيم. ذلك لأسباب عديدة، منها لأن عين الحلوة في صيدا يُعتبر محطة مفصلية على الطريق الرابط بين الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت بالنسبة لحزب الله.