على بعد ستة كيلومترات فقط عن مركز رام الله وسط الضفة الغربية، تقع قرية عين قينيا شمالي غرب المدينة، حيث عيون المياه الطبيعية الجارية، وأشجار اللوز والزيتون والمشمش والبرقوق والكرز، في مشهد جميل يجمع بين بساطة القرية وجمال الطبيعية.
"كانت عين قينيا جنّة، وكانت المياه تضخ إلى رام الله لاستخدامها للشرب، كانت أمهاتنا وجداتنا يحملن جرار الماء ويعبئنها من العين لكي نشرب، لكن المياه اليوم تذهب سدى، ولا تستفيد منها سوى بعض العيون غير الرئيسية". هكذا يعود سكان مدينة رام الله بذاكرتهم إلى الوراء بحنين ممزوج بحسرة.
يقول نصر الملح؛ وهو أحد سكان القرية لـ"العربي الجديد": "في عين قينيا معالم سياحية طبيعية مجانية، لكنها بحاجة إلى التفاتة المسؤولين من أجل جعلها نقط جذب واستثمار سياحي، رغم أنها متنفس قريب جدّاً لرام الله".
وتتدفق في عين قينيا 13 عيناً، إحداها تقع في وادي القرية ويكثر زائروها من مدينة رام الله والقرى المجاورة، إذ تعتبر متنفسا للسكان، في ظل التمدد العمراني ونمط الحياة اليومي، لكن هذا المتنفس مهدد بالكثير من المخاطر.
لا تستغل عيون المياه في القرية بالشكل المطلوب، فيما تلوثت عين القرية الرئيسية إما عبر التلوث البيئي المحيط وعدم الاعتناء بها، أو لقربها من محطة تنقية مياه الصرف الصحي، وفق إفادات السكان.
ويقول عضو المجلس القروي في عين قينيا، نزار الملح لـ"العربي الجديد" إن "العين الرئيسة في القرية قد تلوثت بسبب محطة تكرير مياه الصرف الصحي، بعدما أنشأتها بلدية رام الله قبل نحو 3 سنوات".
لكن رئيس بلدية رام الله موسى حديد، نفى لـ"العربي الجديد"، أن يكون لمحطة التكرير أية سلبيات وتجاوزات، بل عزا ذلك إلى الممارسات الخاطئة بحق عيون المياه.
غياب استراتيجية واضحة للاستثمار بهذه القرية، يبرره بعض المسؤولين بقلة إمكانات المجلس القروي، لكن رئيس بلدية رام الله موسى حديد، أكد استعداده للشراكة مع المجلس القروي من أجل دراسة إمكانية تنفيذ بعض المشاريع هناك، ونقل الخدمات المميزة للقرية، حيث يوجد العديد من الأراضي التابعة لبلدية رام الله قرب عين قينيا، وتعد القرية الامتداد الطبيعي لمدينة رام الله.
مدير مكتب وزارة السياحة والآثار في محافظة رام الله والبيرة جهاد مصطفى أكد لـ"العربي الجديد"، أن جمال عين قينيا الطبيعي يجذب الزوار إليها، لكنه لا يوجد استثمار سياحي لها حتى الآن، فالناس يذهبون إل هناك ضمن مشهد جمالي عفوي، ولا توجد إمكانات لتطوير الاستثمار فيها من قبل الوزارة"، داعيا القطاع الخاص للاستثمار في مثل هذه المناطق لأنها تستحق أن تكون مزاراً سياحياً لكثرة عيون المياه فيها.
ويبلغ عدد سكان قرية عين قينيا نحو ألف نسمة حالياً، وقينيا تحريف لكلمة قانيا بالسريانية التي تعني القصب؛ أي مكان نمو نبات القصب، وسماها الصليبيون أيضا "قانيا"، ومنذ بداية القرن الماضي وحتى عام 1948 وصل عدد سكان عين قينيا 100 نسمة فقط.
يوجد في عين قينيا بعض المواقع الأثرية، من العصور البيزنطية والرومانية والحديدية الثانية، وفي بلدتها القديمة يوجد مقام أبو العينين أو سيدي أبو العينين الذي أقيم في الفترة المملوكية لأحد الأولياء.
وفي محافظة رام الله أكثر من 320 موقعا أثرياً، 80 في المائة منها تقع بمناطق مصنفة "ج" وفق اتفاقية أوسلو، ما يحرم الفلسطينيين من استغلالها وتطويرها أو حتى إدارتها، يقول جهاد مصطفى مدير وزارة السياحة في رام الله.
فيما يمتاز ريف محافظة رام الله والبيرة بكثرة عيون المياه الطبيعية، إذ تؤكد مسؤولة العلاقات العامة والإعلام في سلطة المياه الفلسطينية، عبير عودة، لـ"العربي الجديد"، وجود 78 عين مياه طبيعية منتشرة في قرى وبلدات رام الله والبيرة.
تستخدم غالبية تلك العيون للشرب، في حين تعتبر "عين سامية" الواقعة بالقرب من قرية كفر مالك شمالي شرق رام الله، مصدرا رئيسيا للشرب في مدينة رام الله، ويبدو ريف محافظة رام الله والبيرة جميلا ذا تنوع طبيعي، في مشهد ليس بعيدا عن مدينة رام الله التي اتسع فيها الامتداد العمراني، وخاصة مع قدوم السلطة الفلسطينية في عام 1994.
في رام الله حيث البنيان والامتداد العمراني، تفتقر المدينة للمناطق الخضراء، وهو ما دفع بلديات رام الله والبيرة المجاورتين، لافتتاح عدد من المتنزهات التي لا تكفي لزائريها وتعاني من الاكتظاظ، ويتم تضمين بعض تلك المتنزهات للقطاع الخاص، ويلاحظ ارتفاع أسعار الخدمات الترفيهية، والمشروبات والوجبات الجاهزة لدى القطاع الخاص.