حتى اللحظة، لم يصدر عن حزب الله أي بيان حول الغارات الجويّة. لكن بعد الغارة، بدقائق، سارع تلفزيون "المنار" التابع لحزب الله، إلى نفي أن تكون الغارات قد حصلت في الأراضي اللبنانيّة، ونسب الأمر إلى مصادر أمنيّة لم يُشر إذا كانت رسميّة أم حزبيّة.
مختلف الترجيحات تشير إلى أن حزب الله لن يقوم بالرد على هذه الخروقات. المصادر الإسرائيليّة تتحدث عن أن حزب الله بات يستخدم أسلوب النظام السوري، "بالرد في الزمان والمكان المناسبين"، أو على الأقل بتجاهل حصول الغارات. وقد تجاهل النظام السوري غارات إسرائيليّة عدة، مستنداً إلى عدم تبنّي إسرائيل لها. التوقعات كانت تفيد بألا تُعلن تل أبيب رسمياً مسؤوليتها عن هذه الغارات أيضاً. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ألمح إليها عندما أعلن أن "بلاده ستقوم بكل ما هو مناسب لحماية أراضيها". بخطوته هذه، يكون نتنياهو قد رسم قواعد اشتباك جديدة مع حزب الله، تنصُّ على أن اسرائيل تستطيع ضرب الأراضي اللبنانيّة من دون انتظار رد من حزب الله.
قد يكون خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، هو من بدأ بوضع هذه القواعد الجديدة. فنصرالله اعتبر، في الخطاب الأخير، أن الأولويّة هي لمحاربة "التكفيريين". وهو لم يأت على ذكر نيّة حزبه الرد على اغتيال قائده العسكري عماد مغنيّة، مع أن الخطاب جاء في مناسبة ذكرى اغتياله. في المقابل، فإن نصرالله سبق وأعلن عام 2004، بوضوح أن كل جندي إسرائيلي تطأ قدمه الأراضي اللبناني، سوف "نقتله، نجرحه، أو نأسره. لن نسكت عن أي خرق على طول الخط الأزرق وحتى في مزارع شبعا، ولن نسمح للعدو بأن يزرع عبوات في أرضنا تقتل اللبنانيين".
هذا التراجع في قدرة حزب الله على مواجهة الاعتداءات الاسرائيليّة على لبنان، مردّه، بشكلٍ رئيسي، إلى انشغال قواته بالحرب السورية، إلى جانب النظام على جبهات عدّة. ومن الواضح، أن مقاتلي حزب الله في سوريا، هم خليط من الجيل الجديد، ومقاتلون متمرسون في القتال، ومنهم في مواقع قياديّة. هذا ما تؤكّده أوراق النعوات لمقاتليه التي تنتشر بكثافة في الفترة الأخيرة.
لا يقتصر الأمر على انشغال المقاتلين، فشارع حزب الله ليس جاهزاً لخوض معركةٍ مع اسرائيل. هذا ما يُدركه الطرفان، حزب الله واسرائيل. فهذا الشارع، مرهق من المشاركة العسكريّة، ومن الضربات المتتالية التي يتلقاها عبر السيارات المفخخة. كما أن اقتصاد هذه البيئة يُعاني تراجعاً حاداً، بفعل خسارة الضاحية الجنوبية لبيروت موقعها كسوق تجاري كبير لمختلف المناطق اللبنانيّة. فقد دمرت حرب يوليو/تموز 2006، جزءاً كبيراً من البنية التحتيّة لهذا السوق، وساهم الانقسام السياسي اللبناني، بعدم عودة هذا السوق لحالته القديمة بشكل سريع، ثم جاءت الضربة القاصمة عبر العمليات الانتحاريّة.
يُضاف إلى هذه العوامل، أن حزب الله خسر العمق الجغرافي في سوريا، سواء عسكرياً، عبر تقطُّع أوصال البلد بين مناطق يُسيطر عليها النظام، وأخرى المعارضة، أو إنسانياً، عبر عدم إمكانيّة نزوح جمهور حزب الله باتجاه الأراضي السوريّة كما حصل في يوليو/ تموز 2006.
يبدو أن ما قاله نصرالله في خطابه الأخير، عن أن مقاتليه يتدربون في سوريا، وهم جاهزون لقتال إسرائيل، لم يردع الدولة العبرية عن تغيير قواعد الاشتباك.