دون الدخول في تفاصيل ومتاهات التدخل الخارجي في ليبيا، يتوجب علينا التوقف عند لغز الغول الروسي "فاغنر" ومن يقف وراءه. فالسائد أن شركة "فاغنر" غير الرسمية تستخدمها موسكو كذراع للتدخل غير المعلن، لكن قد تكون هنا مآرب وأيادٍ خفية أخرى وراءها.
الملاحظ أن الدور الروسي في ليبيا كان لصالح معسكر خليفة حفتر، الذي أوجد للانقلاب على شرعية أفرزتها الثورة وإحلال حكم عسكري يقوده جنرال متقاعد قفز فجأة من الظلام قادماً من فرجينيا الأميركية بعد أكثر من 30 سنة على اختفائه. مما لا شك فيه أن لروسيا مصالح عدة في ليبيا تريد الحفاظ عليها، ورأت أن حفتر الأقدر على تلبيتها، مع العلم أن تلك المصالح لم تقف ضدها أو تعرقلها حكومة الوفاق الشرعية.
لكن تتبع مسار انتشار مرتزقة روسيا في ليبيا خلال الآونة الأخيرة يقود إلى استنتاج آخر، أن التغول الروسي في ليبيا لديه مهمة إضافية تتمثل في حماية المصالح الصهيونية المتوجسة من ارتدادات الربيع العربي على أمنها، الذي بات، في ما يبدو، مهدداً بشكل أكبر، إذا أقدمت حكومة الوفاق على توقيع اتفاقيات مع الحكومة التركية، من بينها اتفاق يمس الأطماع الإسرائيلية في مياه البحر المتوسط، في حدود تلتقي مع حدود حيوية أخرى تتوفر على منابع للغاز والطاقة.
ولسنا بصدد درس في الجغرافيا لنثبت كيف أن مرتزقة "فاغنر" ركزوا وجودهم على المشارف البحرية لخليج سرت حيث مركز الطاقة، وتحديداً في مدينة سرت وميناء السدرة المحاذي، واتخذوا من قاعدة الجفرة، وسط الجنوب، مركزاً رئيسياً لعملياتهم التي تشرف على كامل قطاع وسط الجنوب، الرابط بين حقل الشرارة وحوض أوباري الذي يشتمل على مليارات المكعبات من الغاز وصولاً إلى خليج سرت، دون أن نرى وجوداً لـ"فاغنر" في أي موقع آخر يطاوله تهديد قوات حكومة الوفاق. عقب توقيع الاتفاق البحري بين أنقرة وطرابلس، جاهر نائب رئيس وزراء الحكومة المنبثقة من مجلس النواب الموالي لحفتر، عبد السلام البدري بالقول، لصحيفة إسرائيلية، "نحن لسنا أعداء لتل أبيب". وتنقل عنه الصحيفة أنه وجه طلباً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لدعم مليشيات حفتر لمواجهة حكومة الوفاق، ومقابل ذلك أكد استعداد حكومته لتوقيع اتفاق لترسيم حدود بحرية مع إسرائيل ترتبط بمصر واليونان لمواجهة "حلف حكومة الوفاق مع الأتراك"، بحسب الصحيفة.