تستند الفرنسية إيفا هوسّون (1977) ـ في كتابتها سيناريو "فتيات الشمس" الذي أخرجته أيضًا، المُشارك في المسابقة الرسمية للدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي ـ إلى حقائق معروفة عن فتيات ونساء يزيديات يتعرّضن للاغتصاب أو البيع على أيدي مقاتلي "داعش". لكنها تجعلهنّ مقاتلات كرديات، لديهنّ ماضٍ قريبٍ وأليمٍ للغاية (لتعرّضهنّ، هنّ أيضًا، للاغتصاب والبيع على أيدي "جهاديين إسلاميين" غير محدَّدي الانتماء المليشياوي أو التنظيمي)، قبل تحوّلهنّ إلى مقاتلات بقيادة بَهَار (الإيرانية غولشفته فرهاني)، التي تُقرِّر تحرير بلدتها من هؤلاء الجهاديين انتقامًا منهم، وسعيًا إلى إنقاذ وحيدها المراهق من تدريباتهم العسكرية.
لكن المأزق الدرامي، الذي ينتبه إليه نقّاد أجانب، كامنٌ في أن لا وجود لتعابير "يزيديات" أو "كرديات" أو "داعش"، في حين أن المناخ العام يوحي بأن المقاتلات كرديات، وبأن الجهاديين الإسلاميين، الذين لن يظهروا أمام الكاميرا (باستثناء أسير واحد) منتمون إلى "الدولة الإسلامية".
النصّ السينمائي غير راغبٍ في التزام هوية المقاتلات، بقدر انجذابه إلى سرد شيءٍ من أحوال بيئة تواجه تطرّفًا دينيًا يمارس أقسى أنواع التعذيب والقتل، في جغرافيا ملتهبة منذ 7 أعوام وأشهر قليلة. لكن النص نفسه عاجزٌ عن امتلاك حيويته السينمائية، والإخراج مُصاب بوهنٍ منعكسٍ في تبسيط المعالجة وبعض الأخطاء، إلى جانب بهتان التمثيل. أما التصوير (ماتياس ترويلستروب) فيبقى أفضل الاشتغالات الفنية والتقنية والدرامية، خصوصًا أن جغرافية المكان عاملٌ مُساعد على إقامة توازنٍ سينمائي بين جمالها وقسوتها وسحرها في أوقاتٍ مختلفة من اليوم، وألم الذات ووجع الروح المتوغّلين في أحوال المقاتلات، كما في أحوال الصحافية الفرنسية ماتيلد (ايمانويل بيركو)، المُقتلعة عينها اليُسرى إثر إصابة قديمة أثناء إحدى مهماتها في دول غارقة في الحروب الداخلية.
في مقابل استلهام حكايات فتيات ونساء يزيديات في كتابة السيناريو، تستوحي إيفا هوسّون شخصية ماتيلد من شخصية الصحافية الأميركية ماري كاترين كولفن (1956 ـ 2012)، المقتولة أثناء قصف وحشي لجيش النظام الأسديّ في "حي بابا عمر" في حمص (22 فبراير/ شباط)، بعد تسلّلها إليها لتغطية وقائع "الثورة السورية" للصحيفة البريطانية "صنداي تايمز".
هذه الوقائع غير مُترجمة سينمائيًا بفعالية وجمالية مطلوبتين. الثقل الإنساني حقيقي، لكن التعبير البصري عنه غير قادرٍ على إيفائه شرطه الفني. التداخل الواقعي بين خيبات ذاتية لنساءٍ متنوّعات الانتماء الاجتماعي والوطني والثقافي، واللحظة الحرجة في مواجهة تنظيمات جهادية تخوض حروبًا لكنها تقع في فخّ الجرائم؛ هذا التداخل غير متمكّن من امتلاك براعة الصورة السينمائية في التقاط ركائزه وأسئلته.
أما التمثيل، فباهتٌ ومُدّع، إذْ تبدو معظم الممثلات (وجود شخصيات رجالية عابر وغير أساسيّ) خاضعات لتصنّع الانفعال، أو لسطحية البناء الدرامي لكلّ شخصية. الناقد الفرنسي توماس سوتينال يطرح تساؤلات عديدة في مقدّمة مقالته ("لو موند"، 13/ 5/ 2018): "أليس شنيعًا أن الممثلين لا يتكلّمون لغة شخصياتهم، وأن جزءًا من التاريخ (بخصوص ما يحدث للإنسانية) الذي يمرّون فيه "مستوحى" فقط ممّا حدث؟". يُضيف سوتينال: "بعد مشاهدة "فتيات الشمس"، هناك قابلية للإجابة بـ"نعم، هذا شنيع، بقدر ما يمكن للاختيار السينمائيّ أن يحمله من نتيجة"، مُشيرًا إلى أن اللجوء إلى المتخيّل الروائيّ "عندما يستدعي الفيلم مأساةً غير منتهية بعد يتطلّب واجبات أكثر منها حقوقًا".
وإذْ تصف اليزابيت فرانك ـ دوما الفيلم بأنه "تافه" و"ضائع بين سيناريو فاحش وإخراج برّاق" ("ليبراسيون"، 13/ 5/ 2018)، فإنّ مقالة جوردان مينتزر ("هوليوود ريبورتر"، 12/ 5/ 2018) تعتبره فيلمًا "مؤلمًا"، بينما "دقّته القليلة للغاية تُفسد نواياه، الجديرة بالثناء". تُضيف المقالة أن أفضل المشاهد في "فتيات الشمس" كامنةٌ في قيادة غولشفته فرهاني كتيبتها، وأسوأها حاضرٌ عند استسلام العمل لهستيريا السيناريو، من دون تناسي الموسيقى المثيرة للدموع و"الجديرة بفيلم من إنتاج والت ديزني"، وبعض الحوارات المضحكة، علمًا أن "حلّ العقدة السردية" يبدو "قسريًا" و"متصنّعًا".
النيّة السليمة غير مُنتجة لأي إبداع، فالإبداع محتاج إلى مخيّلة وإمكانيات غير متوافرة في "فتيات الشمس" لإيفا هوسّون.