لم يدم سرور المبعوث الأممي إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، طويلاً. يومان فصلا بين إعرابه عن هذا "السرور" مما وصفه "الاحترام المتبادل" الذي أبداه طرفا التفاوض السوريين، وبين إيحائه بأن أمر التوّصل إلى حلّ يحتاج إلى "معجزة" لا يتوّقع السياسي الجزائري حدوثها لإنهاء الحرب. وتعبيراً عن خيبته، قال الإبراهيمي: "للأسف لا يوجد اتفاق على وقف اطلاق النار أو تخفيف مستوى العنف الذي يمارس في سوريا".
بعد سبعة أيام على افتتاح المؤتمر، لم يتجاوب وفد النظام السوري بشكل عملي لحلّ قضية إنسانية تتعلّق بحياة أربعمئة عائلة (ثلاثة آلاف شخص) تقيم في حمص القديمة المحاصرة منذ عامين. وبحسب المتحدّث باسم "الائتلاف" المعارض لؤي صافي، "لا تقدّم في هذا السياق، توجد 12 شاحنة تنتظر الدخول إلى حمص المحاصرة". وكان الصافي قد أوضح أنّ "تجويع الناس وقصفهم لإخراجهم من مناطقهم، والذي يهدف إلى تغيير المعالم السكانية للمنطقة، هو جريمة تطهير عرقي وجريمة ضد الإنسانية".
منذ اليوم الأوّل لانعقاد المؤتمر الدوّلي في منتجع مونترو السويسري، أفاد ناشطون سوريون بوفاة خمسين معتقلاً تحت التعذيب، ليُضاف هؤلاء إلى قائمة الأحد عشر ألف معتقل الذين لقوا حتفهم في معتقلات النظام بحسب تقرير نشرته وكالة الأناضول التركيّة.
في المقابل، كان الوفد الحكومي قد طرح على "الائتلاف الوطني" ما سمّاها "ورقة مبادئ" تتضمن بنداً يدعو إلى "وقف الإرهاب وامتناع الدول عن تسليح وتمويل وتدريب الإرهابيين". جرى هذا في اليوم الذي كان مقرراً أن يشهد حواراً حول المسألة الأكثر حساسيّة ومركزيّة في (القضيّة) السوريّة: نقل السلطة أو تشكيل هيئة حكم انتقالي. هذا ما دعا صافي مجدداً إلى اتهام الوفد الحكومي بـ"عدم التقيّد بالإطار الموضوع للمفاوضات وفقاً لبيان جنيف1".
ويشكّل بيان "جنيف1" إطاراً مرجعيّاً لعملية التفاوض، وكانت الدعوات إلى جنيف2" التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد اشترطت، للمشاركة، قبول مقررات "جنيف1" التي تضمنت "المبادئ والخطوط التوجيهية للقيام بعملية انتقالية بقيادة سوريّة" وفق ما ينص عليه بند البيان الأبرز: "إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية. ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة".
كانت الدول الكبرى قد اعتبرت أن المؤتمر الحالي خطوة للسير في اتجاه الاتفاق على تشكيل "الهيئة". غير أنّ هذا لم يمنع روسيا من أن يكون لديها "خطّها الأحمر" المتمّثل برفض الحديث عن مستقبل الأسد، ومسايرة وفد النظام في محاولته المستمرة لحصر النقاش في مسألة "مكافحة الإرهاب". في المقابل، كان وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري والنواة الصلبة في مجموعة "أصدقاء الشعب السوري" قد أكّدوا مراراً على أنّه ليس للأسد مكاناً في المرحلة الانتقاليّة، وأن المؤتمر الحالي منعقد للبحث في أمر تشكيل "هيئة الحكم".
أمام هذا التباين الجذري في مواقف الدول الكبرى التي سعت إلى عقد المؤتمر وانعدام الحد الأدنى من القواسم المشتركة، ناهيك عن الرؤيّة المشتركة بين وفدي التفاوض السوريين، يغدو التساؤل عن الغاية من إصرار المجتمع الدولي على عقد المؤتمر مشروعاً.
ترتسم إجابة أوليّة عن هذا التساؤل في العبارة "السحريّة" التي لا ينفك أطراف المجتمع الدولي عن تردادها: "الحل السياسي". عليه، سيمّثل "جنيف2" حلقة ثانيّة في مسار تفاوضي طويل يبدو أن المبعوث الدولي، مهندس اتفاق الطائف اللبناني، معتاد عليه، ولن تجد "الأزمة السوريّة" بدّاً من الخوض العسير والطويل فيه حتى النهاية. من جهة أخرى، يبدو المؤتمر، مرحليّاً على الأقل، وكأنه مناسبة أخرى للكشف عن عجز المجتمع الدولي أمام (معضلته) السوريّة. العجز الذي يمكن أن يكثفه اليوم عدم القدرة على إنقاذ مئتي طفل وامرأة محاصرين منذ عامين في حمص القديمة.