"فيتو روسي"
ولم ينجح مجلس الأمن في اعتماد أي من مشاريع القرارات الثلاثة التي طرحت للتصويت، إذ قررت روسيا، مرة أخرى، استعمال حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الأميركي بشأن التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية.
وبذلك، فشل مجلس الأمن في تبنّي مشروع القرار الأميركي حول تشكيل آلية تحقيق مشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لتحديد الجهات المسؤولة عن استخدام الأسلحة الكيميائية في دوما، في حال تم تأكيد ذلك من قبل لجنة تقصّي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
وطرحت الولايات المتحدة مسودة مشروع قرار حول آلية تحقيق، لتصوّت 12 دولة لصالحه، وامتنعت دولة واحدة، وهي الصين، فيما عارضته دولتان، هما روسيا وبوليفيا، لكن لم يتم تبنيه بسبب استخدام روسيا حق النقض.
وتتطلّب إمكانية إصدار مجلس الأمن قراراً تأييد تسعة أصوات على الأقل، مع عدم استخدام أي من الدول دائمة العضوية (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة) حق النقض.
ولا يمكن استخدام حق النقض إلا بعد حصول المسودة على دعم تسعة أعضاء على الأقل.
يشار إلى أن هذه هي المرة الـ12 التي تستخدم فيها روسيا حق النقض ضد قرارات تخص سورية، ستة منها لمشاريع قرارات متعلقة باستخدام الأسلحة الكيميائية.
"رفض أميركي"
من جهة أخرى، أخفقت محاولة روسية لفتح تحقيق جديد في الهجمات الكيميائية في سورية، بعدما حصل مشروع القرار الذي طرحته على تأييد ستة أصوات فقط.
وصوّت سبعة أعضاء ضد المسودة، بينما امتنع اثنان عن التصويت.
وعقب ذلك، أرجأ مجلس الأمن التصويت على مشروع قرار روسي ثان لاستكمال المشاورات، وذلك بطلب من السويد، وبموافقة روسيا، وعدم اعتراض أي من بقية الدول الأعضاء.
وطلبت السويد تأجيل التصويت على المشروع في محاولة للتوصل إلى حل وسط وإعادة صياغة المشروع الروسي على أمل التوصل لصيغة مشتركة.
إلى ذلك، صوّت مجلس الأمن، بعد العودة من المشاورات المغلقة، ضد مشروع القرار الثاني الذي تقدّمت به روسيا لدعم إجراء منظمة حظر انتشار الاسلحة الكيميائية تحقيقا بشأن الهجوم الكيميائي، إذ لم تؤيد مشروع القرار إلا خمس دول، بينها روسيا، في حين صوتت ضده أربع دول، وامتنعت الدول الست الباقية عن التصويت.
خلافات أميركية روسية
وبرر المندوب الروسي، فيسالي نبينزيا، رفضه مشروع القرار الأميركي بأنه "يتضمن جميع أوجه القصور في آليات التحقيق المشتركة السابقة"، متهماً الوفد الأميركي في مجلس الأمن بـ"تضليل المجتمع الدولي".
وقال إن "الغرب يحاول تبرير ضربة عسكرية ضد سورية"، مكرراً كلامه خلال جلسة أمس بأنه "لم يتم العثور على آثار لاستخدام السلاح الكيميائي في سورية"، زاعماً أن موسكو تستخدم حق النقض (الفيتو) لـ"حماية السلم والأمن الدوليين".
وخاطب نبينزيا المندوبة الأميركية: "إذا قمتم، وبشكل مسبق، بتحديد الجهة المسؤولة عن الهجمات لماذا تريدون آلية للتحقيق؟".
في المقابل، أكدت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، خلال الجلسة ذاتها، أن "مشروع القرار الروسي لا يمنح استقلالية للجنة التحقيق بشأن استخدام الكيميائي في سورية"، مشددة على أنه "علينا وقف الهجمات التي يتعرّض لها المدنيون".
وأضافت أن "روسيا تريد أن تختار بنفسها الخبراء في لجنة التحقيق"، وذلك بعد "الفيتو" الروسي على المشروع الذي طرحته للتصويت، مؤكدة أن "موسكو دمرت مصداقية مجلس الأمن واختارت الوقوف إلى جانب الأسد".
وذكر المندوب الفرنسي في مجلس الأمن، فرانسوا دولاتر، أن "ما يحدث في دوما والتصرفات الوحشية للنظام السوري جريمة حرب"، مشدداً على أن "استخدام الأسلحة الكيميائية مروع".
وأوضحت هيلي: "لقد اتفق الجميع على أنه من الضروري التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في دوما. وقمنا بالتشاور مع الجانب الروسي، وأخذنا بعين الاعتبار ملاحظاته، وعملنا كل ما بوسعنا لكي يخرج مجلس الأمن بصوت موحد. أما في ما يخص المشروع الروسي فهو يعطي روسيا الإمكانية لاختيار المحققين والنظر في نتائج فريق التحقيق، والتصويت عليها قبل صدور النتائج، لتعين الجهات بشكل مستقل.. هذا غير مقبول، في حين أن مشروع القرار الأميركي طالب بتشكيل آلية مستقلة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، وهي التي تحدد الجهات المسؤولة".
وذكر المندوب الفرنسي أن "روسيا قالت إنها ستضمن تخلص النظام السوري من الكيميائي، والنظام لم يحترم ذلك"، مبرزاً أن "فرنسا لن تقبل بأي آلية تحقيق شكلية ومن دون ضمانات حول استقلاليتها"، وأضاف: "لا يمكننا البقاء مكتوفي الأيدي تجاه استخدام الكيميائي في سورية".
وهاجمت المندوبة البريطانية، كارين بيرس، روسيا، وقالت إنها استخدمت (الفيتو) لحماية النظام السوري، مضيفة أن موسكو "ليست مخولة بإجراء تحقيق باسم مجلس الأمن"، ودعت إلى "آلية تحقيق مستقلة".
وقال المندوب الصيني لدى مجلس الأمن إن بلاده "تدعم إجراء تحقيق موضوعي ومستقل حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية"، مؤكداً "أهمية الحل السياسي للأزمة السورية".
وقال المندوب الكويتي، منصور العتيبي: "لقد صوتنا لصالح مشروع القرار الأميركي لأنه يتضمن جميع العناصر لتشكيل آلية تحقيق وتحديد الجهات المسؤولة، ومن ثم يقوم مجلس الأمن بدوره بتحديد طريقة المحاسبة".
وأوضح العتيبي، بعد التصويت على المشروع الثالث، حول امتناع بلاده عن التصويت، أن "الانقسام في مواقف المجلس وللأسف الشديد مستمر. لقد امتنعنا عن التصويت رغم دعمنا المشروع والتحقيق، ولكن بعثة منظمة حظر الأسلحة ستتوجه، في جميع الأحوال، كما أعلنت، إلى سورية، ولذلك لا داعي لقرار من هذا القبيل. ما نحتاجه هو آلية تحقيق تحدد الجهات المسؤولة، وهذا ما لم ينص عليه القرار".
وقال السفير السويدي لدى مجلس الأمن، أولاف سكوغ، قبل دخوله إلى قاعة الاجتماعات، إن "المشروعان الروسيان لا يأتيان بجديد، لأن السماح بتوجه لجنة منبثقة عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية هو أمر لا يحتاج تفويض مجلس الأمن، لأن سورية وقعت على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، ولجنة تقصي الحقائق ستقوم بذلك".
وقدمت موسكو مسودتين، إحداهما تنصّ على إنشاء آلية تحقيق حول استخدام أسلحة كيميائية في سورية، كانت مطروحة منذ شهرين على مجلس الأمن، من غير أن تطلب موسكو التصويت عليها.
أما النص الثاني، فهو وثيقة ذكرها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في وقت سابق.
وقال دبلوماسيون آخرون، في بعثات بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، إن مسودة القرار الأميركي الذي اعترضت عليه موسكو "طلبت من الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدم توصيات حول إنشاء لجنة تحقيق بشأن دوما السورية خلال 30 يوماً، على أن يستجيب مجلس الأمن لهذه التوصيات خلال 15 يوماً".
وأضافوا، بحسب وكالة "الأناضول"، أن مسودة القرار "تدعو جميع الأطراف في سورية إلى التعاون مع لجنة التحقيق بشكل كامل، ووقف الأعمال القتالية في المناطق التي تحتاج اللجنة إلى الوصول إليها".
كذلك، تطالب مسودة القرار "لجنة التحقيق بتقديم تقرير لمجلس الأمن بنتائج أعمالها، خلال 90 يوماً".
منظمة حظر الأسلحة "تتقصى الحقائق"
وفي سياق متصل، أكد المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، ردا على أسئلة لـ"العربي الجديد" في نيويورك قبل التصويت، إن "منظمة حظر الأسلحة الدولية سترسل لجنة تقصي حقائق إلى سورية، وهذا جزء من مهامها، ولا تحتاج لأجل ذلك تفويضا من مجلس الأمن، لأن سورية وقعت على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية".
وأوضح دوجاريك أن "هذه اللجنة ستحقق فيما إذا كانت أسلحة كيميائية قد استخدمت أم لا، وتجمع الأدلة، وهذا جزء من عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية"، مضيفا أن "الدول التي وقعت على الاتفاقية ملزمة بتسهيل عملها، وسورية من ضمنها".
واستدرك بقوله إن "الحلقة المفقودة هنا، في حال أثبت استخدام الأسلحة الكيميائية، تحديد الجهة التي قامت باستخدام الأسلحة الكيميائية، وهذا هو عمل آلية التحقيق التي تحدد الجهة والمحاسبة. لقد كانت هناك آلية لم يتم التجديد لها، والآن على مجلس الأمن القيام بعمله في هذا السياق".