عندما يستشعر الباحث أن حدثاً ما يتجاوز التعامل معه حدود اللحظة الراهنة، تأخذ حينها تفسيراته منحى آخر يتطلّب اشتباكاً مع حقول معرفية متعدّدة، وهو ما بدأ كثير من الدراسين العمل، عليه قبل أن تبرز التحذيرات الجديّة من فيروس كورونا المستجدّ باعتباره وباءً.
في العاشر من الشهر الماضي، أصدر الطبيب والكاتب الإيطالي روبرتو بوريوني كتابه "فيروس، التحدي الكبير" عن منشورات "روزاريا كاربينلي"، أي في اليوم التالي من فرض الحظر في كافة أنحاء البلاد مع وصول العدد المصابين بالمرض إلى الآلاف وحدوث وفيات كثيرة يومياً.
يشير المؤلّف في مقابلة سابقة إلى أن الكتاب يختبر كيفية عمل الأوبئة ودورها في تشكيل الحضارات وتفوّفها أحياناً، وكان من المفترض أن يُنشر العمل في الخريف المقبل، لكن عندما تفشّى المرض في الصين طلب من ناشره أن يفرج عن الكتاب مع إضافة فصلين حول الفيروسات التاجية.
في مئتين وثماني صفحات، يوضّح بوريوني كيف يمكن للعلم أن ينقذ البشرية حين يتحوّل الفيروس التاجي إلى طاعون، مشيراً إلى أن هناك حاجة ماسّة للسرعة والاستراتيجية لمحاربته، وكلما تأخّر ردّ الفعل تكون الهزيمة هي المتوقّعة.
يعود الكتاب إلى نهاية العام الماضي، حين واجه الاطباء في مستشفيات ووهان، وسط الصين، متلازمة تنفسية غريبة بدت مرتبطة بسوق السمك الكبير في المدينة حيث يبيعون، بالإضافة إلى الأسماك، جميع أنواع الحيوانات الصالحة للأكل، نافقة أو حية.
ومع تكاثر المرضى وإصابة كثير من الناس بالالتهاب الرئوي الفيروسي العدواني بشكل خاص، وفق بوريوني، فإن المختبرات اكتشفت أنه فيروس تاجي جديد مشابه للسارس، الذي أخاف العالم بين عامي 2002 و2003. وبالمقارنة مع السارس، فإن المرض الجديد أقل فتكاً ولكنه أكثر عدوى.
يسعى الكتاب إلى إظهار طبيعة وعمل الفيروس الجديد، خاصة في ما يخصّ انتقاله من الحيوانات إلى البشر، والآثار المدمرة للأوبئة في تاريخ البشرية والمعارك التي خاضتها في القرن الماضي ضد أصغر أعدائها وأشدهم شراسة، كما يروي قصص العالم الذي يقاتل ضد الأمراض المعدية من الأوبئة القديمة إلى تفشي الأوبئة الأخيرة، من خلال تزويد القارئ بخلفية ثقافية لفهم الأحداث الجارية الحالية.