كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو يقترب من استحقاقات انتخابية، يخشى أن تعرف قمة مجموعة السبع في بلده فشلا شبيها بالدورة السابقة في كندا، ولهذا استعد لها استعدادا كبيرا وحرص على تحقيق بعض النجاح.
وحاول الرئيس ماكرون، منذ وصوله للرئاسة، أن يبشر بنوع من الدبلوماسية الفاعلة والمؤثرة، ولكنه اكتشف أن مكانة وهيبة فرنسا لم تعودا تساعدان كثيرا، كما أن وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض في الولايات المتحدة، وتغريداته التي لا تستثني أحدا، قادرة على بث البلبلة وإحداث اضطرابات في البورصة، بل وعلى إخراج كبريات الشركات الغربية من السوق الإيرانية، وتوقف دول كبرى عن شراء النفط الإيراني.
حاول الرئيس ماكرون أن يجعل من قمة مجموعة السبع لقاء تاريخيا وفرصة لاستعادة ريادة فرنسية مفقودة، ولكن ليس من طبيعة هذا النوع من اللقاءات تحقيق إنجازات كبرى، خصوصا وأن ماكرون نفسه أكد أنها لا تمنح تفويضاً لأحد، مستعيداً تأكيدا للرئيس ترامب، وأيضا لأن التوترات بين الدول الأعضاء كثيرة، ومرشحة للازدياد في ظل وجود الرئيس الأميركي، والخشية من إعادة انتخابه.
وحتى يضعَ الفرنسيين على بيّنة من الأمر، خاطبهم الرئيس ماكرون، قبيل بدء القمة، وحاول كسب تفهمهم، شارحا أن كل مواضيع المحادثات، تقريبا، تتعلق بحياة الفرنسيين الملموسة، مركّزاً على الحرب في سورية، التي انعكست تفجيرات إرهابية دموية في فرنسا، وعلى القنبلة النووية الإيرانية، التي قال إن مجموعة السبع متفقة على ألا تحصلَ عليها إيران أبداً، ثم البيئة، بعد أن تحولت حركة "الجمهورية إلى الأمام" إلى حزب يتفهم البيئة ويضعها في أولوياته.
ولا شك أن ماكرون محظوظٌ، فقد دخلت حرائق الأمازون في القمة، وأتاحت للرئيس الفرنسي في خطاب لا يخلو من غنائية أن يوجه "نداء المحيطات والغابات".
وليس ثمة شك أن هجمات ماكرون، المباشرة، أحيانا، على "كذب" الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو وعدم وفائه بالعهود والاتفاقات، لقيت كثيرا من الإجماع، خاصة في الداخل الفرنسي، حيث إن الفرنسيين، عموما، يكنون نوعا من الاحترام للرئيس البرازيلي الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي خصّه جان لوك ميلانشون، زعيم "فرنسا غير الخاضعة"، بزيارة في محبسه.
وعلى الرغم من البرنامج الحافل للقمة، إلا أن الرئيس الفرنسي استبق النتائج بالتأكيد على أن "فرنسا لا يمكنها أن تصل وحدها"، وبالتالي طلب من الفرنسيين ألا يلوموه إن لم يصل إلى غاياته، مما منحه حرية التجرؤ بهذا الاستباق هو أن الجميع كان يعرف أن هذه القمة لن تخرج ببيان ختامي.
إذن، فما الفائدة من قمة بلا بيان نهائي؟
يجيب ماكرون بأن الأساسي هو مناقشة كل القضايا بحرية. وهكذا نوقش الوضع في أوكرانيا وسورية وإيران وليبيا، وكان الاقتصاد العالمي حاضرا أيضا، فناقش الزعماء الحرب التجارية بين أميركا والصين، ومستقبل العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حيث لا أحد يمكنه أن يتوقع قرارات ترامب، التي يعلن عنها في تغريداته.
وكانت البيئة حاضرة أيضا، ولكن بوتيرة أخف، فالجميع يعرف مواقف ترامب، الذي سخر من اتفاق باريس، ويعرف علاقاته مع شبيهه البرازيلي.
وكان نصب عيني الرئيس ماكرون أن يمنح لموضوع التفاوتات، بين النساء والرجال، وبين البلدان المصنعة والفقيرة، الأهمية الكبرى، ولهذا استضافت القمة زعماء أفارقة، ولكن قضايا أخرى غطت عليها، مثل النووي الإيراني وحرائق الأمازون، وخطفت منها الأضواء، حتى لم ير المشاهد، تقريبا، سوى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو يحرص على مكانه في الصورة الجماعية للقادة.
وإذا كان من المنطقي ألا تخرج القمة بنتائج كبيرة، إذ حتى عودة روسيا لمجموعة الكبار لم يُحسَم فيها، رغم أنها بلدٌ يُحتاج إليه من أجل ممارسة ضغوط على حلفائها و"محمياتها"، فقد تفتقت "عبقرية" ماكرون عن حدث لا يمكن أن تُذكَر قمة بياريتز إلا به، وهو استضافة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، رغم كل الجدل الذي أثير حول الموضوع، هل هي دعوة فرنسية أم من مجموعة السبع، وهل هي دعوة رئاسية؟ أم من وزير الخارجية الفرنسي؟
هذه الاستضافة، التي علّق عليها الرئيس ترامب ببرودة، وكأنها لا تستحق التعليق، ثبت أنها كانت من طرف الرئيس الفرنسي، أثناء لقائه مع محمد جواد ظريف الجمعة الماضي، وأن الرئيس دونالد ترامب كان على علم بها، وهو ما تؤكده مصادر الإيليزيه: "مجيء ظريف تم بكل شفافية وباتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية"، وإلا فإن الرئيس ماكرون، الذي يعرف جيدا أن خطر فشل القمة لا يمكن أن يأتي إلا من ترامب، فهو من خرج من الاتفاق النووي مع إيران، وهو من خرج من اتفاقية المناخ، وهو الذي بدأ حروبا تجارية لم تنته بعدُ، لا يمكنه أن يخاطر بفشل قمة تعقد في فرنسا، وكرّس لها ميزانية 34 مليون يورو، و13 ألف شرطي ودركي، ومارست فيها القوى الأمنية اعتداءات عنيفة على المتظاهرين، من ضرب واعتقالات واحتجاز، وخاصة ضد مناهضي قمة مجموعة السبع، مما اضطر العديد من المنظمات لإيقاف أنشطتها وتظاهراتها.
أتى ظريف إلى بياريتز واستقبله نظيره الفرنسي، جان إيف لودريان، لإجراء محادثات خلال ثلاث ساعات، ثم التحق الرئيس ماكرون بهما، ثم التقى المسؤول الإيراني نظيريه الألماني والبريطاني، وهذا الموضوع شغل كل المؤتمر وكل وسائل الإعلام، وغطى على أنشطة أخرى مهمة.
وإذا كانت الأمور بخواتيمها، فلا شيء، لحد الآن، يمكن أن يقدم لنا معلومات في هذا الصدد، إذ عدا اتفاق مجموعة السبع على ألا تحوز إيران على القنبلة النووية أبدا، وعلى عدم تعريض منطقة الشرق الأوسط لأزمات وعدم استقرار، فلا شيء تم الاتفاق عليه، إذ رغم أن المحادثات كانت "إيجابية"، إلا أنها لا تزال في طور الاختبار، وهو ما يشرحه محمد جواد ظريف في تغريدته بشكل أوضح: "الطريق أمامنا صعبٌ، ولكنه يستحق الاختبار".
وبعد كل هذا، ورغم سير المحادثات بين "الوسيط" ماكرون، الذي لا يَقبل به ترامب وسيطا، والإيرانيين، ورغم أن زيارة بياريتز كانت امتداداً لمحادثات باريس واتصالات الرئيسين روحاني وماكرون، إلا أن الطرف الرئيسي والقوي في الصراع، وهو ترامب، لم يقل بعد كلمته، ما يجعل، في النهاية، من "مفاجأة ظريف في بياريتز" ضربة للاستهلاك المحلي الفرنسي، أي السياسة الداخلية الفرنسية، وجزءا من ماكينة إيران الإعلامية، ساهم فيها "بطلها" ظريف.