يبدو أن فصائل المعارضة السورية التي تسيطر على مناطق في ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، تحاول أن تتحرّك في خطواتٍ استباقية هذه الأيام، استعداداً للمرحلة المقبلة، التي تخشى فيها هذه الفصائل، مع نحو 360 ألف مدني يقيمون في مناطق المعارضة هناك، من أن تشهد مناطقهم مصيراً مماثلاً للغوطة الشرقية بدمشق، خصوصاً مع تشابه ظروف المنطقتين المُحاصرتين. ومع تصاعد تهديدات روسيا والنظام حالياً لمناطق ريف حمص الشمالي، وبدء تحركاتٍ فعلية لقوات الأسد، منذ يومين، في ريف حماة الجنوبي، شكّلت الفصائل العسكرية هناك "القيادة الموحدة للمنطقة الوسطى"، التي ضمّت كبرى الفصائل العسكرية في المنطقة.
ووفقاً للبيان الصادر بعد تشكيل هذه "القيادة الموحدة" التي أُعلن عنها أمس الأربعاء، وحصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، فإن الفصائل المشاركة في الخطوة تسعى لتوحيد كلمتها سياساً وعسكرياً، في ظلّ موجة التهديدات القائمة، والتوقعات بتصاعدها في الأسابيع القليلة المقبلة، وهذا ما أشار إليه البيان، بقوله: "تُعتبر القيادة الموحدة في المنطقة الوسطى الممثّل العسكري الوحيد للريفين المحررين" (شمال حمص وجنوب حماة).
وتضم "القيادة الموحدة للمنطقة الوسطى" فصائل "الجيش السوري الحر"، وهي "الفيلق الرابع، حركة تحرير الوطن، حركة أحرار الشام، فيلق الشام، جيش التوحيد وجيش حمص"، إضافة لغرف العمليات في شمال حمص وجنوب حماة، وهي "غرفة عمليات الحولة، غرفة عمليات الرستن، غرفة عمليات ريف حماة الجنوبي، غرفة عمليات المنطقة الجنوبية الغربية وغرفة عمليات المنطقة الشرقية".
ويعيش أكثر من ثلاثمائة وستين ألف مدني من المحاصرين في ريف حمص الشمالي، حالة قلقٍ تصاعدت في الأيام القليلة الماضية، على خلفية تقارير تشير إلى انتهاء صلاحية فترة "خفض التصعيد"، الذي بدأ سريانه في مناطق سيطرة المعارضة السورية شمالي حمص أوائل مايو/ أيار من العام الماضي لمدة ستة أشهر، وتم تجديده مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الفائت لستة أشهر إضافية. لكن لجنة التفاوض عن ريف حمص الشمالي (وجنوب حماة)، أعلنت أواسط فبراير/ شباط الماضي، تلقيها رسالة من ضابطٍ بوزارة الدفاع الروسية أبلغها فيها أن اتفاق الهدنة وشيك الانتهاء، مهدداً بـ"الحرب" في حال رفضت اللجنة المفاوضة عن ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، حضور اجتماعٍ مع مسؤولين من النظام في مدينة حمص، لوضع شروطٍ جديدة، أقرب لـ"التسوية والمصالحة" مع النظام.
ورغم أن بيان "القيادة الموحدة للمنطقة الوسطى" خاطب السكان في مناطق سيطرته بالقول: "نطمئن أهلنا بأننا سنكون يداً واحدة في سبيل تحقيق ثوابت ثورتنا والصمود في وجه التحديات التي تتعرض لها المنطقة"، إلّا أنّ السكان هناك، وبحسب ناشطين تواصلت معهم "العربي الجديد"، يخشون من أن المرحلة المقبلة قد تشهد بدء عملياتٍ عسكرية واسعة في مناطقهم.
وتتعزّز هذه المخاوف مع تشابه أوضاع كل من الغوطة الشرقية من جهة، وريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي من جهة أخرى، إذ إن كلتا المنطقتين محاصرتين بالكامل منذ سنوات، ومحاطتين بمناطق سيطرة النظام. كما أنّ المنطقتين أدرجتا في اتفاقيات "خفض التصعيد" المنبثقة عن اتفاقيات "أستانة"، وهما أضعف المناطق الأربع ضمن هذه الاتفاقيات، لكونهما مُحاصرتين بالكامل من قبل النظام، بينما المنطقتان المتبقيتان (في إدلب وريف حلب، ودرعا جنوبي سورية)، ليستا محاصرتين، لكون الأولى متصلة بالحدود التركية، والثانية بالحدود الأردنية.
كما أن دخول قوات النظام السوري قبل يومين، لقرى كانت خارج سيطرته في شرق ريف حماة الجنوبي، عزز المخاوف المتصاعدة جنوب حماة وشمال حمص، من بدء تحرك النظام بشكل منظم لإخضاع مناطق المعارضة هناك.
وكانت قوات النظام السوري دخلت قبل يومين، إلى قرى في جنوبي حماة أشهرها تقسيس، من دون قتال، في الوقت الذي روّجت وسائل إعلام النظام أن الخطوة تأتي ضمن "المصالحات" في المنطقة. وزعمت وكالة "سانا" أن القرى التي تم دخولها ضمن هذه الخطوة هي تقسيس، زور، العمارة، المشداح، الجمقلية، جور الجمقلية وجور أبو دردة، لكن "العربي الجديد" استقصت في حقيقة رواية "سانا" هذه، وعلمت أن وجهاء في قرية تقسيس، التي هي أشبه بـ"منطقة محايدة" بين آخر نقطة سيطرة لقوات النظام جنوب شرق حماة، وأقصى نقطة سيطرة للمعارضة في المنطقة ذاتها، رحبوا، بعد تواصل ضباط روس معهم، بدخول قوات النظام ووسائل إعلامها للقرية، على أن يتم التصوير وإدخال مواد إغاثية للسكان مبدئياً، ثمّ الخروج من القرية لحين إتمام اتفاقية شاملة للمنطقة، بين المعارضة والنظام.
وعلمت "العربي الجديد" أن ضباطاً من النظام وآخرين من قاعدة "حميميم" الروسية، أجروا سلسلة محادثاتٍ في فندق السفير بحمص خلال شهر مارس/ آذار الماضي، مع شخصياتٍ من ريف حمص الشمالي، لكنهم ليسوا ضمن اللجنة التي تمثّل الفصائل والهيئات المدنية في مناطق المعارضة في شمالي حمص وجنوبي حماة. وكان النظام يسعى من خلال هذه المفاوضات، لإعادة فتح الأوتوستراد الدولي دمشق – حمص – حماة، الذي يمرّ بمناطق سيطرة المعارضة حالياً، مقابل أن لا يقوم بعمليات عسكرية في المنطقة.