"قيسارية الذهب" في غزة تفقد بريقها

22 مايو 2014
أحد تجار الذهب بغزة يبدو سيئ المزاج (محمدالحجار/العربي الجديد)
+ الخط -

لن يحتاج الصائغ الفلسطيني العجوز، رفيق عياد، أن يعيد ترتيب قطع الحلي الذهبية داخل متجره الضيق ليجذب المشترين، فأقدام الفلسطينيين باتت تطأ سوق الذهب في مدينة غزة على استحياء منذ عدة أشهر، بعد ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل وحكومة الانقلاب في مصر على القطاع.

ولم تشهد متاجر "المعدن الأصفر" الممتدة على جانبي ممر "القيسارية" الضيق المغطى بسقف مقبب في مدينة غزة القديمة، ذلك الركود منذ بنائها عام 1476 من الميلاد. إذ إن ظروف الغزيين الاقتصادية انعكست على واقعهم الاجتماعي، فأرجأ الكثير منهم موعد زواجه، وبات معظمهم يفضل "الذهب الصيني" الزهيد السعر.

وارتفعت معدلات الفقر والبطالة في القطاع إلى نحو 45 في المئة منذ هدم الجيش المصري أنفاق التهريب الممتدة أسفل الحدود بين مصر وغزة بعد الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو/ تموز الماضي.

ويقول الصائغ عياد (70 عاماً) لـ"العربي الجديد": "أعمل هنا منذ أكثر من 40 سنة وهذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها سوق الذهب هذا الركود، فمتاجرنا لم تعد تستقبل إلا من يريد أن يبيع الذهب لا من يشتري وهذا كبدنا خسائر مالية فادحة خلال الأشهر الماضية".

وأضاف عياد "في الوضع الطبيعي كان عدد المشترين يصل في اليوم الواحد إلى 20 أو أكثر، أما اليوم فلا يدخل متجري يوميا سوى زبون واحد وربما يصل العدد إلى خمسة على أبعد تقدير، وجميعهم لا يشترون إلا قطعا صغيرة لا يتجاوز سعرها الـ100 دينار أردني".

ويتمنى الصائغ العجوز أن تعود أيام عاشها قبل عدة أشهر كان يدخل فيها إلى خزينته يوميا أكثر من ألفي دينار أردني، ففي هذه الأيام أقصى ما يبيعه "قطعة ذهبية واحدة أو اثنتين ثمنهما لا يتجاوز الـ100 أو 200 دينار أردني".

 ويرجع ركود البيع في سوق الذهب إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، منذ إغلاق الأنفاق التي كانت تشغل عشرات الآلاف في القطاع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بحسب عياد.

وعلى أعتاب السوق القديم، قرر الصائغ محمد البنا إغلاق متجره في وقت مبكر على غير العادة، حيث قال إنه منذ ثلاثة أيام لم يدخل محله التجاري زبون واحد.

ويقول البنا لـ"العربي الجديد": "أفضل أن أجلس في منزلي. ثلاثة أيام مضت دون أن يدخل متجري أي زبون ليشتري، باستثناء البعض ممن يريدون أن يبيعوا حلي زوجاتهم ليتدبروا شؤون حياتهم. معظم الغزيين باتوا بلا دخل بسبب إغلاق الأنفاق ومنع إسرائيل لتوريد الأسمنت ومواد البناء ما أدى لتعطل الآلاف عن العمل".

وبلغت الخسارة التي تعرض لها البنا خلال الشهر الماضي 10 في المئة من مجمل ما يملك من ذهب بما يعادل خمسة آلاف دينار أردني.

وبات البنا يعيش كابوسا حقيقيا، فإذا استمر ركود عمليات البيع في سوق الذهب فإن خسائره ستتضاعف، وربما يضطر في نهاية الأمر إلى إغلاق متجره الذي ورثه عن والده قبل عشرة أعوام.

وفي إحدى زوايا سوق القيسارية، انشغلت الفلسطينية مها نصّار (29 عاما) بالحديث مع شقيقتها حول انخفاض أسعار الذهب والخسارة التي ستتعرض لها في حال بيعها كل ما تملك من حلي أهداها إليها زوجها قبل أربعة أعوام.

وقالت نصار لـ"العربي الجديد": "أريد أن أبيع ثلاث قطع من الذهب ليتمكن زوجي من إجراء عملية جراحية مستعجلة ولكن أسعار الذهب منخفضة وسأتعرض لخسارة تتجاوز الـ500 دينار أردني. زوجي اشترى الجرام الواحد قبل أربعة أعوام بـ33 دينار أردني، أما اليوم فسعره لا يتجاوز الـ26.5 دينار".

وتابعت "الظروف الاقتصادية التي يعيشها الناس بغزة صعبة للغاية والناس يلجأون في هذه الأيام إلى بيع ما يملكون من ذهب ليستطيعوا توفير حياة كريمة لأبنائهم في ظل ارتفاع مستوى المعيشة وانخفاض الدخل".

وليس ببعيد عن سوق الذهب المركزي في مدينة غزة، كانت الحاجة سهيلة رباح (50 عاما) تعاين بعض قطع الحلي في أحد متاجر "الذهب الصيني"، فبعد أيام سيقام حفل زفاف ابنها وظروفه المالية لا تسمح له باقتناء الذهب الأصلي.

وتقول رباح لـ"العربي الجديد": "كنت سأشتري الذهب لزوجة ابني ولكن الظروف المالية الصعبة دفعتني لشراء الذهب الصيني الزهيد الثمن، كحل مؤقت، وإلا فإننا سنؤجل موعد حفل الزفاف كما فعل الكثير من الفلسطينيين في غزة".

المساهمون