تمنع القوانين الجزائرية التجارة من دون سجلّ تجاري، فتفرض على المخالف ضرائب تذهب لصالح الخزينة العامة. ويشمل ذلك نقل أشخاص لقاء أجرة في سيارات خاصة، الأمر الذي يُعَدّ من أكثر الأعمال التجارية غير القانونية انتشاراً في الجزائر، إذ لا تخلو شوارع المدن من "كلونديستان". هكذا يُدعى سائق الأجرة غير القانوني الذي يقوم بأكثر من حركة، في إشارة منه إلى استعداده لنقل شخص أو أكثر.
في أكثر من نقطة في الجزائر العاصمة، يمكنك أن ترى سائقاً يلوّح بمفاتيح سيارته وهو يتّكئ على مقدّمتها بينما ترك باب السيارة موارباً. فيغمز من يبدو أنّه في بحث عن سيارة أجرة، ويهمس كلمة "كلونديستان" من حين إلى آخر. ومن المحطّات المعروفة بسيارات أجرة غير قانونية في العاصمة الجزائرية، نذكر محطّة الخرّوبة للنقل البرّي ومطار هوّاري بومدين الدولي ومحطّة القطار "آغا" ومحطة الحافلات في ضاحية الرويبة وسوق الخضر في ضاحية الرغاية.
تلك النقاط كلّها تشهد توافد عدد كبير من المسافرين والمتبضّعين الذين يحتاجون إلى من يوصلهم إلى مقاصدهم. يقول صفي الدين: "على الكلونديستان أن يُراهن على الذكاء قبل المراهنة على أيّ معطى آخر"، لجهة معرفة المواقف "الرطبة". ويشرح: "هكذا نسمّي المواقف التي تتوفّر فيها فرص كثيرة، في مقابل المواقف الحرشة/ الجافة. وكذلك لجهة حماية نفسه من الوقوع في يد الشرطة أو الذهاب ضحية للصوص والمجرمين".
يشير صفي الدين الذي يزاول هذا النشاط منذ تسع سنوات، إلى "التفاوت ما بين ضواحي المدينة الجزائرية في مجال المراقبة الأمنية لسيارات الأجرة غير الشرعية". يقول: "ثمّة مناطق أتمكّن فيها من الدخول إلى قلب محطّات الحافلات، والوقوف خلفها مباشرة لاصطياد زبون ما. لكنّني أجد نفسي مضطراً في مناطق أخرى إلى ركن سيارتي بعيداً عن المحطّة ومحاولة اصطياد زبون داخلها، ثم السير أمامه إلى مكان السيارة. وأحياناً، أتّفق معه، خصوصاً إذا كانت حاجته إلى خدماتي ملحّة، على أن يُمثّل معي دور الصهر أو الجار أو الصديق، حتى لا نلفت نظر الشرطة".
ويضيف أنّ "تنبّه الشرطة إليّ كسائق أجرة خارج القانون، يعني أنها تسحب منّي رخصة القيادة وتحيل سيارتي إلى الحجز الإجباري، من شهرين إلى ستة أشهر، مع إحالتي إلى المحاكمة التي تفضي عادة إلى تغريمي". ويتابع أنّ "هذا الإجراء بالنسبة إلى سائق خرج إلى المجهول لتأمين لقمته، يُعدّ عقوبة قاسية عليه وعلى أسرته. وهو أسوأ وقعاً عليه من تعرّضه لحادث. ففي هذا الأخير يمكنه أن يستفيد من شركة التأمين". ويتحدّث صفي الدين عن "العدو" الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد الشرطة، أي "أصحاب سيّارات الأجرة القانونيون، لأنّهم يروننا منافسين لهم".
اقــرأ أيضاً
في أكثر من نقطة في الجزائر العاصمة، يمكنك أن ترى سائقاً يلوّح بمفاتيح سيارته وهو يتّكئ على مقدّمتها بينما ترك باب السيارة موارباً. فيغمز من يبدو أنّه في بحث عن سيارة أجرة، ويهمس كلمة "كلونديستان" من حين إلى آخر. ومن المحطّات المعروفة بسيارات أجرة غير قانونية في العاصمة الجزائرية، نذكر محطّة الخرّوبة للنقل البرّي ومطار هوّاري بومدين الدولي ومحطّة القطار "آغا" ومحطة الحافلات في ضاحية الرويبة وسوق الخضر في ضاحية الرغاية.
تلك النقاط كلّها تشهد توافد عدد كبير من المسافرين والمتبضّعين الذين يحتاجون إلى من يوصلهم إلى مقاصدهم. يقول صفي الدين: "على الكلونديستان أن يُراهن على الذكاء قبل المراهنة على أيّ معطى آخر"، لجهة معرفة المواقف "الرطبة". ويشرح: "هكذا نسمّي المواقف التي تتوفّر فيها فرص كثيرة، في مقابل المواقف الحرشة/ الجافة. وكذلك لجهة حماية نفسه من الوقوع في يد الشرطة أو الذهاب ضحية للصوص والمجرمين".
يشير صفي الدين الذي يزاول هذا النشاط منذ تسع سنوات، إلى "التفاوت ما بين ضواحي المدينة الجزائرية في مجال المراقبة الأمنية لسيارات الأجرة غير الشرعية". يقول: "ثمّة مناطق أتمكّن فيها من الدخول إلى قلب محطّات الحافلات، والوقوف خلفها مباشرة لاصطياد زبون ما. لكنّني أجد نفسي مضطراً في مناطق أخرى إلى ركن سيارتي بعيداً عن المحطّة ومحاولة اصطياد زبون داخلها، ثم السير أمامه إلى مكان السيارة. وأحياناً، أتّفق معه، خصوصاً إذا كانت حاجته إلى خدماتي ملحّة، على أن يُمثّل معي دور الصهر أو الجار أو الصديق، حتى لا نلفت نظر الشرطة".
ويضيف أنّ "تنبّه الشرطة إليّ كسائق أجرة خارج القانون، يعني أنها تسحب منّي رخصة القيادة وتحيل سيارتي إلى الحجز الإجباري، من شهرين إلى ستة أشهر، مع إحالتي إلى المحاكمة التي تفضي عادة إلى تغريمي". ويتابع أنّ "هذا الإجراء بالنسبة إلى سائق خرج إلى المجهول لتأمين لقمته، يُعدّ عقوبة قاسية عليه وعلى أسرته. وهو أسوأ وقعاً عليه من تعرّضه لحادث. ففي هذا الأخير يمكنه أن يستفيد من شركة التأمين". ويتحدّث صفي الدين عن "العدو" الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد الشرطة، أي "أصحاب سيّارات الأجرة القانونيون، لأنّهم يروننا منافسين لهم".
من جهته، لا ينكر العمّ علي، وهو صاحب سيارة أجرة قانونية، ذلك. يقول: "أعترف بأنّ الرزق من عند الله، وأعترف بحقّ الكلونديستان في أن يأكل الخبز مثلي. لكنّني لا أرضى أن أكون ضحيّته". يضيف: "هو يلجأ إلى تخفيض الأسعار، فيفضّله الناس عليّ. وهذا ما يجعل قوت يومي مهدّداً، مع العلم بأنّني أدفع الضريبة فيما هو لا يدفع. ما الذي يمنعه من التصريح عن نشاطه مثلي، ما دام يملك سيارة؟ ما الذي يمنعه من الحصول على سجل تجاري، فتأتي فرصنا متكافئة؟".
يُعرف الكلونديستان بأنّه يتحدّث كثيراً مع زبونه، لدرجة قد تصل إلى حدّ الإزعاج. ويقرّ أمين الذي نقلنا من "المسرح الوطني الجزائري" في قلب العاصمة إلى مدينة بودواو (38 كيلومتراً إلى الشرق)، بأنّ ذلك "لا يعود إلى طبيعة الكلونديستان بالضرورة، بل إلى تكتيك يعتمده". يضيف: "ها أنا أتحدّث معك لأكتشف طبيعتك. فأنت قد تكون تنوي شرّاً بي وبمركبتي. وأتحدّث معك لأخلق حميمية بيننا، فتصير زبوناً دائماً، وأشكو لك وضعي الاجتماعي الصعب، حتى لا تبخل عليّ عند الدفع".
ويشير أمين إلى أنّ "المبلغ الذي يدفعه الزبون يكون معروفاً عادة، بحسب النقطة المقصودة. لكنّه قد يتحوّل إلى ضحيّة، إذا تصرّف بطريقة معيّنة. على سبيل المثال أن تبدو عليه الطيبة الزائدة، وأن يظهر كغريب عن المدينة، وأن يظهر كمغترب أو سائح أجنبي، أو يظهر كثريّ أو كادر مهمّ في شركة معروفة. فهؤلاء لا يعترضون عادة على أيّ مبلغ يُطلب منهم، حتى لا يجرحوا هيبتهم الاجتماعية". لكنّه يستدرك أنّ "روح الحيلة والغش لا تنسحب على كل الكلونديستانات. ثمّة من لا يأخذ إلا حقّه، بل ثمّة من يُعرف بالتسامح أكثر من السائقين القانونيين".
تجدر الإشارة إلى أنّ الكلونديستان لا ينخرط في هذا النشاط نتيجة البطالة، بالضرورة. فهو قد يكون موظفاً، لكنّه يلجأ إلى ذلك في أوقات فراغه وعطله، حتى يكسب مالاً إضافياً. وهذه هي حال نبيل وهو أستاذ مساعد في جامعة بومرداس. يقول: "لا تكفيك أجرتك مهما كانت مرتفعة، إذا لم تكن تملك بيتاً يعفيك من بدل الإيجار، ومدخولاً ثانياً يعفيك من المصاريف غير المحسوبة". يضيف: "أعلم أنّ كثيرين يندهشون عندما يعلمون أنّني أستاذ جامعي، لكنّني أعلم بظروفي، ولا يهمّني ما يُقال عني، ما دمت لا أهدّد أرزاق الآخرين".
اقــرأ أيضاً
يُعرف الكلونديستان بأنّه يتحدّث كثيراً مع زبونه، لدرجة قد تصل إلى حدّ الإزعاج. ويقرّ أمين الذي نقلنا من "المسرح الوطني الجزائري" في قلب العاصمة إلى مدينة بودواو (38 كيلومتراً إلى الشرق)، بأنّ ذلك "لا يعود إلى طبيعة الكلونديستان بالضرورة، بل إلى تكتيك يعتمده". يضيف: "ها أنا أتحدّث معك لأكتشف طبيعتك. فأنت قد تكون تنوي شرّاً بي وبمركبتي. وأتحدّث معك لأخلق حميمية بيننا، فتصير زبوناً دائماً، وأشكو لك وضعي الاجتماعي الصعب، حتى لا تبخل عليّ عند الدفع".
ويشير أمين إلى أنّ "المبلغ الذي يدفعه الزبون يكون معروفاً عادة، بحسب النقطة المقصودة. لكنّه قد يتحوّل إلى ضحيّة، إذا تصرّف بطريقة معيّنة. على سبيل المثال أن تبدو عليه الطيبة الزائدة، وأن يظهر كغريب عن المدينة، وأن يظهر كمغترب أو سائح أجنبي، أو يظهر كثريّ أو كادر مهمّ في شركة معروفة. فهؤلاء لا يعترضون عادة على أيّ مبلغ يُطلب منهم، حتى لا يجرحوا هيبتهم الاجتماعية". لكنّه يستدرك أنّ "روح الحيلة والغش لا تنسحب على كل الكلونديستانات. ثمّة من لا يأخذ إلا حقّه، بل ثمّة من يُعرف بالتسامح أكثر من السائقين القانونيين".
تجدر الإشارة إلى أنّ الكلونديستان لا ينخرط في هذا النشاط نتيجة البطالة، بالضرورة. فهو قد يكون موظفاً، لكنّه يلجأ إلى ذلك في أوقات فراغه وعطله، حتى يكسب مالاً إضافياً. وهذه هي حال نبيل وهو أستاذ مساعد في جامعة بومرداس. يقول: "لا تكفيك أجرتك مهما كانت مرتفعة، إذا لم تكن تملك بيتاً يعفيك من بدل الإيجار، ومدخولاً ثانياً يعفيك من المصاريف غير المحسوبة". يضيف: "أعلم أنّ كثيرين يندهشون عندما يعلمون أنّني أستاذ جامعي، لكنّني أعلم بظروفي، ولا يهمّني ما يُقال عني، ما دمت لا أهدّد أرزاق الآخرين".